“إعادة افتتاح قبتي يحيي الشبيه وصفي الدين جوهر بعد عملية ترميم مذهلة”

افتتح اليوم شريف فتحي وزير السياحة والآثار والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة وبرفقته الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والسفير جاريث بيلي السفير البريطاني بالقاهرة قبتي يحيى الشبيه الفاطمية وقبة صفي الدين جوهر المملوكية بعد الانتهاء من أعمال ترميمهما.
حضر حفل الافتتاح الأستاذ الدكتور مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، والسيد مارك هوارد مدير المجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة، والدكتور خالد صلاح وكيل أول وزارة الأوقاف بالقاهرة، بالإضافة إلى عدد من كبار المسؤولين بوزارة السياحة والآثار والسفارة والمجلس الثقافي البريطاني.
نفّذت مبادرة “الأثر لنا”، التابعة لهيئة التخطيط العمراني “مجاورة”، هذا المشروع تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، ممثلةً بالمجلس الأعلى للآثار، وبتمويل من صندوق الحفاظ على التراث التابع للمجلس الثقافي البريطاني، وبالشراكة مع وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية. وهو جزء من برنامج “الإرث – التراث والمناخ”، الذي أُطلق عام ٢٠٢٣ واكتمل بنجاح بنهاية عام ٢٠٢٤. يهدف البرنامج إلى الجمع بين الحفاظ على التراث المعماري التاريخي والأثري ومواجهة آثار تغير المناخ من خلال مجموعة من الأنشطة الفنية والمجتمعية والتعليمية.
عقب حفل الافتتاح، قام الوزير والمحافظ والوفد المرافق لهما بجولة في القبتين. وقدمت الدكتورة مي الإبراشي، رئيسة جمعية الفكر العمراني – مجاورة ومنسقة مشروع التراث، شرحًا مفصلًا لأعمال الترميم والتحديث الجارية، وأهميتها التاريخية والأثرية. كما شاهدوا فيلمًا وثائقيًا سلّط الضوء على حالة القبتين قبل مشروع الترميم، والخطوات المختلفة التي اتُخذت لإعادتهما إلى سابق عهدهما. كما سلّط الفيلم الضوء على جهود رفع الوعي السياحي والأثري لدى المجتمعات المحيطة، وإشراكها في تنمية المنطقة.
في كلمته خلال حفل الافتتاح، أعرب الأستاذ شريف فتحي عن تقديره العميق للتعاون الناجح في تنفيذ مشروع ترميم قبتي يحيى الشبيه وصفي الدين جوهر، واصفًا المشروع بأنه نموذج للتعاون البنّاء مع المؤسسات الداعمة. وشكر المجلس الأعلى للآثار ومؤسسة مجاورة للفكر العمراني على جهودهما الدؤوبة في تنفيذ المشروع، وكذلك السفارة البريطانية والمجلس الثقافي البريطاني بالقاهرة على دعمهما المادي والفني. وأكد أن هذا التعاون يُعدّ من الشراكات المستمرة والفعّالة في مجال حفظ التراث.
وأكد الوزير أن الدولة ملتزمة تماما بالحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي المصري، مؤكدا أن الوزارة تسعى إلى تحقيق التوازن بين حماية الآثار والسعي إلى تعظيم الاستفادة الاقتصادية منها دون المساس بقيمتها الأثرية أو الإضرار بالبيئة المحيطة بها.
وأضاف أن النجاحات الفنية والمالية لهذا المشروع تعكس بوضوح الالتزام بحماية هذه المعالم الثقافية. وأشار إلى أن مشروع ترميم القبتين سيُدرج ضمن منصة التدريب الإلكترونية التي تعتزم الوزارة إطلاقها الأسبوع المقبل، بهدف إتاحة هذا النموذج كمرجع تدريبي والاستفادة من الدروس المستفادة في مشاريع الترميم المستقبلية.
كما أعلن عن إدراج القبتين ضمن خريطة المواقع الأثرية المتاحة للزائرين، وذلك في إطار سياسة الوزارة الرامية إلى إتاحة المزيد من المواقع للمصريين والسائحين، وتنويع البرامج السياحية.
على هامش الافتتاح، تفقد وزير السياحة والآثار مجموعة من المشغولات اليدوية التي أنتجها أهالي منطقة قبة صفي الدين جوهر، والمستوحاة من التراث المصري الأصيل. وأشاد بجودة هذه المنتجات وتميزها، مؤكدًا على إبداعها المحلي الذي يعكس الهوية الثقافية للمجتمع المصري.
أكد السيد شريف فتحي على أهمية دعم هذه المبادرات المجتمعية، فهي تُمكّن السكان القاطنين بالقرب من المواقع الأثرية والسياحية، وتُسهم في مشاركتهم في الحفاظ على التراث، وتُعزز الأمن الاقتصادي للسياحة. وهذا أحد ركائز استراتيجية الوزارة. وأكد على أهمية هذه الأنشطة في تحقيق التنمية المستدامة للمناطق المحيطة بالمواقع الأثرية، وضمان استفادة المجتمعات المحلية من القيمة الثقافية والسياحية لمناطقهم.
وشدد الوزير على ضرورة الترويج لهذه المنتجات الحرفية واستخدامها في إطار الترويج للسياحة الثقافية بما يساهم في إبراز المكونات الثقافية الفريدة للمجتمع المصري.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، أن أعمال الترميم تمت تحت إشراف كامل من المجلس الأعلى للآثار، والذي كمؤسسة علمية بالدرجة الأولى يحرص دائماً على أن تتم جميع مشروعات الترميم وفقاً لأعلى المعايير العلمية والدولية.
وأكد أنه تم إجراء دراسات متأنية وتوثيق علمي شامل للقبتين قبل البدء بأعمال الترميم وذلك لضمان أعلى درجات الحفاظ على أصالة وسلامة الأثر.
وأشار إلى أن الفريق تمكن خلال أعمال الترميم من اكتشاف العديد من العناصر المعمارية والزخرفية، والتي وُثِّقت علميًا بدقة لعرضها في معرض منفصل مستقبلًا، مما يُسهم في إبراز القيمة الفنية والتاريخية لهذين المعلمَين المهمَّين.
وأعرب السفير البريطاني بالقاهرة عن عميق فخره وشرفه بالمشاركة في هذا المشروع المهم، مشيراً إلى أن تمويل الصندوق لهذين المشروعين يأتي ضمن مبادرات صممت خصيصاً لدعم جهود حماية التراث الثقافي وتعزيز دور المجتمع المحلي في الحفاظ عليه.
وأكد السفير على حبه وتقديره العميق لمصر، وخاصة للقاهرة التاريخية التي وصفها بـ”القلب النابض” للعاصمة، والتي تتمتع بتراث معماري وثقافي فريد يعكس عمق الحضارة الإسلامية في مصر.
وتضمن المشروع ثلاثة محاور رئيسية أولها ترميم قبة يحيى الشبيه (الفاطمي) في مقبرة الإمام الشافعي وقبة صفي الدين جوهر (المملوكي) في شارع الخليفة.
وشمل العمل توثيق الموقع وتعزيزه وإصلاح الشقوق والترميم الدقيق لعناصر الرخام والخشب والجص وتنفيذ نظام الصرف الصحي وخفض المياه الجوفية، بالإضافة إلى تركيب كاميرات وشاشات مراقبة وعلامات إرشادية.
بالإضافة إلى ذلك، وُضع دليل فني يشرح أساليب الترميم المتعلقة بآثار تغير المناخ. ويرافقه فيديوهات تعليمية ومواد تدريبية رقمية وعملية. كما نُظمت العديد من الأنشطة التوعوية والتثقيفية حول العلاقة بين التراث الثقافي وتغير المناخ. وتُستخدم المياه الجوفية المستخرجة من الموقعين في الزراعة الحضرية، والتنظيف، ومكافحة الحرائق، وإنشاء المساحات الخضراء.
جدير بالذكر أن قبة يحيى الشبيه بناها الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله إسماعيل أبو منصور سنة 949هـ/1191م. وتنسب إلى يحيى بن القاسم بن محمد المأمون بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن علي بن أبي طالب. قدم إلى مصر في عهد ابن طولون مع أخيه عبد الله أحمد. فلما وصل مصر وسمع أهل مصر بقدومه خرجوا لاستقباله. توفي في مصر ودفن في المشهد في شهر رجب سنة 562هـ/1167م. ودفن إلى جواره أخوه عبد الله. ودفنت في القبة أيضاً السيدة أم الذارية زوجة القاسم الطيب، وكذلك السيد يحيى بن الحسن الأنور أخو السيدة نفيسة وابنهما، ودفن في القبة أيضاً.
يعود تاريخ قبة صفي الدين جوهر إلى عام 740م/1340م. بناها صفي الدين جوهر الناصري المالكي، المعروف أيضًا بجوهر المدني، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون. تدرج في المناصب حتى تولى منصب جاشنكير في عهد الملك المظفر بيبرس. بنى هذه القبة كضريح عام 740م/1340م.
تتميز القبة بجمالها المعماري وتصميمها الفني الفريد، حيث تحتوي على فتحات مثلثة مصنوعة من الجبس مع تطعيمات زجاجية، وهي سمة مميزة لعمارة القرن الرابع عشر.