السر الذي كشفه الرئيس السيسي حول السلام العادل وتطبيع إسرائيل مع العرب

حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، القمة العربية في دورتها الرابعة والثلاثين، التي عقدت في العاصمة العراقية بغداد.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية أن اللقاء ناقش التطورات الإقليمية والتحديات الخطيرة التي تواجه المنطقة العربية، وخاصة ما يتصل بالحرب الدائرة في قطاع غزة، وكذلك الأوضاع في سوريا والسودان وليبيا والصومال. كما ناقش اللقاء الجهود المبذولة لتعزيز العمل العربي المشترك بما يتوافق مع تطلعات الشعوب العربية.
وأضاف السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس ألقى كلمة مصر في القمة، والتي استعرض فيها رؤية مصر تجاه مختلف القضايا التي تمت مناقشتها. وفيما يلي نص كلمة الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي فخامة الرئيس عبد اللطيف رشيد.
السيد رئيس جمهورية العراق رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة،
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي…
السادة رؤساء الدول والحكومات في الدول العربية الشقيقة،
معالي السيد أحمد أبو الغيط
السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية،
ضيوفنا الأعزاء،
) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (
وأبدأ كلمتي بالتعبير عن خالص الشكر والتقدير لأخي فخامة الرئيس عبد اللطيف رشيد وللشعب العراقي الشقيق على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال وحسن النية التي حظينا بها منذ وصولنا إلى بغداد. وأتمنى لمعاليه كل التوفيق في رئاسته لهذه الدورة.
كما يطيب لي أن أتوجه بالشكر والتقدير لأخي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ملك مملكة البحرين رئيس الدورة السابقة، وأشيد بجهوده المخلصة في دعم قضايا الأمة وتعزيز العمل العربي المشترك.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، تعقد قمتنا اليوم في لحظة تاريخية، حيث تواجه منطقتنا تحديات معقدة وظروفاً غير مسبوقة تتطلب منا جميعاً، قادةً وشعوباً، أن نتحد ونظهر عزماً لا يتزعزع، ونقف معاً قولاً وفعلاً لصون أمن أوطاننا وحماية حقوق ومقدرات شعوبنا الأبية.
ليس سراً أن القضية الفلسطينية تمر بواحدة من أخطر مراحلها وأكثرها حساسية. منذ أكثر من عام ونصف يتعرض الشعب الفلسطيني لجرائم ممنهجة وممارسات وحشية تهدف إلى إبادته وتدميره وإنهاء وجوده في قطاع غزة. لقد تم تدمير قطاع غزة إلى حد كبير وجعله غير صالح للسكن من أجل إجبار السكان على الهجرة ومغادرة البلاد، حيث تعرضوا لأهوال الحرب. ولم تترك آلة الحرب الإسرائيلية حجراً على حجر، ولم توفر لا الأطفال ولا كبار السن. وتم استخدام الجوع والحرمان من الرعاية الصحية كأسلحة ووسيلة للتدمير. وأدى ذلك إلى نزوح نحو مليوني فلسطيني داخل قطاع غزة، في انتهاك صارخ لكافة القوانين والأعراف الدولية.
وفي الضفة الغربية، تواصل آلة الاحتلال انتهاج نفس السياسة القمعية المتمثلة في القتل والتدمير. ومع ذلك فإن الشعب الفلسطيني يظل صامدا لا يتزعزع، متمسكا بحقه المشروع في أرضه ووطنه.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثفت مصر جهودها السياسية لإنهاء إراقة الدماء الفلسطينية، وتبذل جهوداً كبيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. ودعت المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.
وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشيد بجهود الرئيس دونالد ترامب الذي نجح في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة في يناير/كانون الثاني 2025. إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد أمام العدوان الإسرائيلي المتجدد، مما قوض كل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار.
ومع ذلك، تواصل مصر، بالتنسيق مع شركائها في الوساطة قطر والولايات المتحدة، جهودها المكثفة لتحقيق وقف إطلاق النار، وهو ما أدى مؤخرا إلى إطلاق سراح الرهينة الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.
وفي إطار جهودها، بادرت مصر بعقد قمة عربية استثنائية في القاهرة في الرابع من مارس/آذار 2025. وأكدت القمة الموقف العربي الثابت الرافض لتهجير الشعب الفلسطيني، واعتمدت خطة لإعادة إعمار قطاع غزة دون طرد سكانه. حظيت هذه الخطة بدعم واسع النطاق. عربي وإسلامي وعالمي. وفي هذا السياق أود أن أذكركم بأننا نعتزم تنظيم مؤتمر دولي للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة بعد انتهاء العدوان.
ومن خلال قمة القاهرة، أرسل العرب رسالة حاسمة إلى العالم، حيث أكدوا أن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هو السبيل الوحيد للخروج من دائرة العنف المفرغة التي لا تزال تعصف بالمنطقة وتهدد استقرار كل شعوبها بلا استثناء.
وأود أن أؤكد مرة أخرى أنه حتى لو نجحت إسرائيل في إبرام اتفاقيات تطبيع مع كافة الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما لم يتم إقامة دولة فلسطينية وفقاً للقانون الدولي.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو الرئيس ترامب، باعتباره سياسيا يريد ترسيخ السلام، إلى بذل كل الجهود اللازمة وممارسة الضغوط من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. ويهدف وقف إطلاق النار هذا إلى أن يكون بمثابة مقدمة لعملية سياسية جادة سيلعب فيها دور الوسيط والميسر. وتهدف هذه العملية إلى التوصل إلى حل نهائي يحقق السلام الدائم، على غرار الدور التاريخي الذي لعبته الولايات المتحدة في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل في سبعينيات القرن العشرين.
سيداتي وسادتي،
إضافة إلى القضية الفلسطينية فإن أمتنا العربية تواجه تحديات مصيرية تتطلب منا مواجهتها متحدين وحازمين ودون تردد. يمر السودان الشقيق حالياً بمرحلة حرجة تهدد وحدته واستقراره. وهذا يتطلب تحركا عاجلا لضمان وقف إطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على وحدة التراب السوداني ومؤسساته الوطنية، ورفض كل المساعي الرامية إلى إقامة حكومات موازية للسلطة الشرعية.
أما بالنسبة لشقيقتنا سوريا فإن رفع العقوبات الأميركية يجب أن يكون لمصلحة الشعب السوري… ولضمان أن تكون الفترة الانتقالية شاملة. دون إقصاء أو تهميش… الحفاظ على الدولة السورية ووحدتها ومكافحة الإرهاب ومنع عودته أو تصديره… مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الجولان وكل الأراضي السورية المحتلة.
وفي لبنان لا يمكن ضمان الاستقرار إلا من خلال الالتزام بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، واحترام سيادة لبنان على أراضيه، وتمكين الجيش اللبناني من تحمل مسؤولياته.
وفيما يتعلق بليبيا، تواصل مصر جهودها الحثيثة نحو المصالحة السياسية الشاملة، بحسب…
الإطار المتفق عليه للعمل… من خلال عملية سياسية في ليبيا تؤدي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، تسمح للشعب الليبي باختيار قيادته، وتضمن بقاء ليبيا لشعبها… مع انسحاب جميع القوات الأجنبية والميليشيات من ليبيا.
لقد طال أمد الصراع في اليمن، وحان الوقت لهذا البلد العريق لاستعادة توازنه واستقراره من خلال حل شامل ينهي الأزمة الإنسانية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات ويحافظ على وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية. وأؤكد هنا على ضرورة استعادة حركة الملاحة الطبيعية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وخلق بيئة مواتية للاستقرار، والسعي إلى حلول تعود بالنفع على شعوبنا.
ولا ننسى أيضًا دعمنا المتواصل لبلدنا الشقيق الصومال. ونؤكد رفضنا القاطع لكل المحاولات الرامية إلى المساس بسيادة البلاد، وندعو كافة الشركاء الإقليميين والدوليين إلى دعم الحكومة الصومالية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق.
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي،
وفي الختام أقول لكم بكل صدق وإخلاص: “إن المسؤولية الجسيمة التي نتحملها جميعاً واللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم تفرض علينا أن نضع مصالح الأمة فوق كل اعتبار، وأن نعمل معاً يداً بيد لحل الصراعات والمشاكل المصيرية التي تعصف بالمنطقة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، القضية المركزية التي لا حياد فيها عن الحق، ولا مساومة على الحقيقة”.
فلنعمل معًا على تعزيز تعاوننا وجعل وحدتنا قوة وتكاملنا نموًا. … إيماناً منا بأن شعوبنا العربية تستحق غداً يليق بعظمة ماضيها ومجد حضارتها. … فلنمض قدماً بثبات وعزيمة ولنجعل هذه القمة خطوة حاسمة نحو مستقبل أفضل… لأمتنا العربية.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير شعوبنا العربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.