سورية.. «مستقبل غامض»
لا تزال منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات سريعة وعميقة تهدد بتغيير خصائصها الجيوسياسية لعقود قادمة. يشكل انهيار النظام السوري فصلاً جديداً في سلسلة الأزمات الاستراتيجية التي أطلقتها أحداث 7 تشرين الأول 2023، والتي كشفت عن هشاشة المحور المعروف بـ”محور المقاومة”، خاصة في مواجهة تصدعات خطيرة. فيه هيكل داخلي.
لقد خلق سقوط النظام السوري فراغاً استراتيجياً كبيراً غيّر قواعد اللعبة في المنطقة. وسوريا الأسد، التي كانت بمثابة خط مواجهة مباشر مع إسرائيل وممر مهم يدعم القدرات العسكرية لحزب الله، فقدت هذا الدور الرئيسي مع انهيار النظام. ونتيجة لذلك، واجه حزب الله تحديات متزايدة، وخاصة النفوذ المتزايد للمعارضة السنية في سوريا، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة ترتيب الأوراق على الساحة الإقليمية. وفي ظل هذا الوضع، تحول الاهتمام الدولي نحو سوريا بعد أن كان يركز في السابق على لبنان وغزة، وتزايدت التساؤلات حول مستقبل البلاد.
فهل تشهد سوريا انتقالاً سياسياً يمهد لنظام جديد، أم أنها تتجه نحو فوضى على غرار ما حدث في ليبيا، فيما يبقى مصير سوريا مفتوحاً على كل الاحتمالات؟
السيناريو الأول “إيجابي”: استقرار نسبي ونموذج سياسي جديد: يدور هذا السيناريو حول استمرار الانتقال السياسي السلس الذي يمكن أن يؤدي إلى بناء نظام سياسي شامل يحترم التعددية ويوفر مساحة آمنة لمختلف الطوائف. ويلعب أحمد الشرع دور القائد الجديد ويمثل خطابا معتدلا يركز على الوحدة الوطنية وحماية حقوق الأقليات وضمان الحريات الفردية والدينية. والسؤال هنا: هل يستطيع الشرع وفريقه صياغة عقد اجتماعي جديد يعيد بناء مؤسسات الدولة ويزيد استقرارها؟ الجانب الإيجابي في هذا المسار هو أن الحركات الإسلامية المعتدلة التي تمثل القوة السياسية الأبرز اليوم تبدو أكثر براغماتية من النماذج السابقة مثل داعش، حيث تسعى إلى تجنب السيناريوهات الكارثية التي ابتليت بها دول أخرى.
إذا تم تنفيذ هذا النهج، يمكن أن يشهد السوريون نظاماً سياسياً جديداً يعيد هيكلة الجيش ويضمن التمثيل العادل لشرائح المجتمع: المسيحيين والدروز والأكراد والعلويين والطوائف المتبقية.
السيناريو الثاني «سلبي»: الفوضى والانقسام على الجانب الآخر: يرسم هذا السيناريو صورة قاتمة، إذ يمكن أن يؤدي انهيار التحالفات الهشة إلى صراعات داخلية بين الفصائل الحاكمة ومختلف الطوائف.
وهناك مخاوف من أنه في حالة انهيار السلطة المركزية، فإن القوى الإسلامية المتطرفة، سواء كانت مستوحاة من نموذج طالبان أو أيديولوجية الإخوان المسلمين، سوف تهيمن على المشهد. وقد تؤدي هذه الفوضى إلى صراعات دامية وأعمال انتقامية بين مختلف الأطراف، مما يمهد الطريق لتدخلات إقليمية ودولية تزيد من تعقيد المشهد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دعم بعض الدول للحركات الإسلامية المتطرفة يمكن أن يشكل تهديداً خطيراً لاستقرار الدول المجاورة ويدفع المنطقة برمتها إلى حافة الانفجار. سوريا ليست مجرد دولة في قلب الشرق الأوسط؛ وهو حجر الزاوية في معادلات المنطقة برمتها. وانهيارها يعني خلق فراغ أمني وسياسي يهدد استقرار الدول المحيطة. وفي غياب السيطرة المركزية، يمكن أن تصبح سوريا أرضاً خصبة للتدخل الخارجي، سواء من قبل القوى الإقليمية أو الدولية التي تسعى إلى استغلال هذا الفراغ لتعزيز مصالحها.
ولا شك أن استقرار سوريا هو استقرار المنطقة. اليوم، تمر سورية بنقطة تحول تاريخية. ويمثل كلا المسارين المحتملين فرصا وتحديات هائلة. ولكن بدون جهود مشتركة من الداخل والخارج، لن يكون من الممكن تحقيق استقرار حقيقي ومستدام. ويتطلب الخيار الإيجابي الحكمة السياسية والشجاعة اللازمة لاتخاذ قرارات جذرية تعيد بناء العقد الاجتماعي. أما السيناريو الثاني، فقد لا يؤدي إلى تدمير سوريا فحسب، بل أمن المنطقة بأكملها، مما يترك الجميع أمام مستقبل غامض للغاية.