هل تنتصر البكتيريا على البشر في المعركة من أجل تعقيم المستشفيات؟
في بعض الأحيان، تتطور لدى بعض أنواع البكتيريا والميكروبات شكل من أشكال المقاومة أو المناعة تجاه المضادات الحيوية أو الأدوية المستخدمة لعلاجها. وتسمى هذه المناعة “مقاومة مضادات الميكروبات”. تُستخدم المضادات الحيوية عادةً لعلاج أمراض مثل الالتهاب الرئوي، والتهابات المسالك البولية، والإنتان، وغيرها من الأمراض التي تصيب أعضاء الجسم المختلفة.
وتتفاقم مشكلة الإصابة بالميكروبات أو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بشكل خاص عند الأطفال حديثي الولادة لأن أجهزتهم المناعية لم تتطور بشكل كامل بعد ولا تعمل بنفس كفاءة البالغين. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال من هذه المشكلة الصحية تتزايد، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث يزيد خطر الإصابة بها في هذه الدول بمقدار ثلاثة إلى عشرين ضعف الدول المتقدمة في العالم.
وبحسب دراسة أجراها موقع كونفرسيشن المتخصص في البحث العلمي، فإن عدد الأطفال حديثي الولادة الذين توفوا في الشهر الأول من حياتهم عام 2020 بسبب مشكلة الإنتان وصل إلى 2.4 مليون طفل، ووقعت معظم هذه الوفيات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. ترجع هذه المشكلة إلى استجابة الجهاز المناعي المفرطة للعدوى في مكان معين في الجسم.
أجرى فريق علمي من معهد إنيوس أكسفورد المتخصص في أبحاث مضادات الميكروبات، دراسة للتعرف على أنواع البكتيريا المسببة للمناعة ضد المضادات الحيوية والمضادات الحيوية في عشرة مستشفيات في ستة دول تتراوح معدلات دخلها بين المنخفض والمتوسط، وهي بنغلادش التي حصلت على مضادات الميكروبات وكلاء. إثيوبيا ونيجيريا وباكستان ورواندا وجنوب أفريقيا. وفي إطار الدراسة، تم إجراء 6290 مسحة في أقسام العناية المركزة والولادة في هذه المستشفيات. قام أعضاء الفريق بجمع عينات من الأسطح القريبة من الأحواض ومقابض الصنابير، والأسطح القريبة من مناطق الصرف، ووحدات الأطفال حديثي الولادة، والأثاث والأسطح في أجنحة المرضى، والأجهزة الطبية المتنقلة، والمعدات الطبية.
ووجدت الدراسة أن العديد من الأسطح التي أخذت منها المسحات كانت مستعمرة بأنواع من البكتيريا التي تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية، وأن أعلى مستويات هذه البكتيريا لوحظت بالقرب من مصارف المستشفيات. وتبين أن هذه الجينات يمكن أن تمنح مقاومة لنوع من المضادات الحيوية يسمى الكاربابينيمات، والذي يستخدمه الأطباء كملاذ أخير لعلاج الالتهابات التي تكون الأدوية الأخرى غير فعالة في علاجها.
وخلال الدراسة، تم اكتشاف 18 نوعا مختلفا من البكتيريا التي تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية المذكورة في مسحات من أسطح المستشفيات، بما في ذلك البكتيريا التي يمكن أن تسبب الالتهاب الرئوي والتهابات المسالك البولية وأمراض الدم. تم اكتشاف نوع من البكتيريا التي يمكن أن تصيب الأطفال حديثي الولادة بالإنتان في المستشفى، مما يعني أن البكتيريا الموجودة على الأسطح يمكن أن تنتقل إلى الأطفال حديثي الولادة. إلا أن الفريق البحثي أكد على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتيجة.
وأوضح الباحثون ماريا نيتو روسادو، وكاتي طومسون، وكيرستيس ساندز، وتيموثي والش، المتخصصون في أبحاث المضادات الحيوية والميكروبات بجامعة أكسفورد، في مقال نشر على موقع كونفرسيشن أن جينات مقاومة المضادات الحيوية غالبا ما توجد على أجزاء الحمض النووي المتحركة التي يمكن نقلها. ومن بكتيريا إلى أخرى تُعرف هذه الظاهرة باسم نقل الجينات الأفقي. ويتم نقل هذه العناصر المتحركة من بكتيريا إلى أخرى، مما يساعد في نقل جين مقاومة المضادات الحيوية. وهذا يعني أن القدرة على مقاومة المضادات الحيوية يمكن أن تنتقل بسرعة عن طريق البكتيريا على نفس السطح في المستشفى أو عبر الأسطح المختلفة، مما يزيد من مقاومة المضادات الحيوية. وتشكل صعوبات السيطرة على العدوى خطرا على المرضى. وتسلط هذه الدراسة الضوء على إمكانية انتقال المضادات الحيوية وجود مقاومة بين أنواع مختلفة من البكتيريا في نفس المستشفى، مما يزيد من فرص إصابة المرضى بالعدوى ويحد من خيارات علاجهم بسبب قدرة هذه البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية.
وبحسب الفريق البحثي فإن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تشكل عبئا على العالم أجمع، حيث بلغت تكلفة الوفيات الناجمة عن الالتهاب الرئوي والإنتان في الولايات المتحدة وحدها 8 مليارات دولار في عام 2006، مما يؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة للضوابط الوقائية والتعقيم. الإجراءات في مرافق الرعاية الصحية، وخاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وحدد الفريق عددا من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتقليل احتمالية الإصابة بمثل هذه الأنواع من البكتيريا. ويقول الباحثون إن مياه الشرب النظيفة واللقاحات يجب أن تكون متاحة للحد من العدوى والحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية في المقام الأول. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير أنظمة لإدارة النفايات وإعادة تدويرها ووضع برامج مخصصة لكل منشأة صحية على حدة، والتي تشمل آليات تنظيف وتعقيم الأسطح في هذه المرافق.
وشدد الباحثون على أن نقص التمويل للمستشفيات في البلدان المحدودة الموارد يشكل تحديا كبيرا لهذه الخطط وأنه يجب تشجيع المؤسسات المالية والحكومات على الاستثمار في تنفيذ مثل هذه البرامج الوقائية.