ما هو تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري عالميا ومحليا؟
• أفريقيا، تليها أوروبا، هي القارات التي تضم مواقع التراث العالمي الأكثر تأثراً بتقلب المناخ، بإجمالي 24 و21 موقعاً على التوالي. • العديد من الجهود المصرية لحماية الآثار المصرية من العوامل الناتجة عن ظواهر التغير المناخي
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً حول “تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري” تناول فيه تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي والأثري من خلال النظر في الظواهر المناخية المختلفة التأثيرات على المعالم الأثرية ومستوى اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. يحلل هذا السؤال كيف يهدد تغير المناخ والظواهر المرتبطة به المناطق الأثرية على نطاق عالمي ثم يتناول تجربة مصر من خلال تناول التأثيرات المختلفة التي تهدد تراث مصر الثقافي والأثري المتنوع وكيف تعاملت الدولة مع هذه التهديدات وما هي المناطق الأثرية التي تأثرت وكيف تدخلت الحكومة لإنقاذهم وحمايتهم من تأثيرات التغير المناخي.
وأظهر التحليل أن الأنشطة البشرية أدت إلى تغيرات غير مسبوقة في درجات الحرارة منذ القرن التاسع عشر؛ وأدى ذلك إلى تأثيرات على أنماط الطقس والمناخ، نتجت في البداية عن حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، الذي ينتج عنه انبعاثات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى المرتبطة بها)، مما أدى إلى ما يحدث ويؤدي ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل غير عادي وما ينتج عنه من ظواهر مناخية متطرفة مثل زيادة هطول الأمطار والفيضانات والجفاف الشديد وظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر. وتؤدي حرائق الغابات أيضًا إلى تسارع الظواهر المناخية الطبيعية مثل الأعاصير والانفجارات البركانية. ومع تفاقم أزمة المناخ وأثرها على حياة الملايين من البشر والكائنات الحية، أصبح من الواضح أن تأثيراتها لا تقتصر على ذلك فحسب، بل تمتد عواقبها أيضًا إلى التراث الثقافي، وخاصة المواقع الأثرية التاريخية.
وفيما يتعلق بتأثير تغير المناخ على التراث العالمي، أظهر التحليل أن هناك علاقة وثيقة بين استقرار التراث الثقافي والأثري والنظام البيئي. عندما تكون البيئة مستقرة وغير معرضة للتهديدات، يتم حماية التراث الثقافي من التأثيرات المرتبطة به والتي يمكن أن يؤدي تغير المناخ والظواهر المناخية الخطيرة المرتبطة به إلى تغييرات غير طبيعية في النظام البيئي ويكون لها تأثير سلبي على توازن النظام البيئي مما يؤثر سلباً على المواقع الأثرية سواء كانت ثابتة أو متحركة أو مدفونة ولذلك فإن تأثير التغير المناخي على التراث العالمي يقع تحت سطح الأرض من الظواهر المناخية في المنطقة. التي تتعرض لها الآثار، وإمكانية تعرضها للتلف بسبب الملوثات الناتجة عن الأنشطة البشرية المختلفة، وخاصة الأنشطة الصناعية الكبيرة، مما قد يؤدي إلى تآكل القشرة الخارجية للآثار، وخاصة المباني الحجرية والمكونات الصخرية.
على سبيل المثال، يمكن للتغيرات في هطول الأمطار، ومستويات المياه الجوفية، ومعدلات الرطوبة، وكيمياء التربة أن تؤثر على البقايا الأثرية المدفونة تحت الأرض، بالإضافة إلى تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة في المناطق القطبية وذوبان الجليد، الذي قد يحدث بسبب عدم الاستقرار في باطن الأرض. وتسببت الانهيارات الأرضية في حدوث أضرار بالمناطق الأثرية القريبة من سطح البحر في بعض المناطق. وحتى في المناطق الأثرية القريبة من سطح البحر، هناك خطر فقدان البيانات المخزنة عن الآثار بسبب تأثير ظاهرة ارتفاع سطح الأرض، مما يؤدي إلى تآكل الشواطئ أو الفيضانات. كما يؤدي الضرر الدائم بالمناطق الأثرية المنخفضة إلى زيادة ملوحة التربة الساحلية وتشبعها بالمياه الممزوجة بالأملاح في وجود تربة خالية من الأكسجين. مما قد يؤدي إلى فقدان سلامة هذه المناطق الأثرية وتآكلها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الفيضانات وزيادة تدفق المياه إلى إتلاف مواد بناء النصب التذكاري، والتي لا يمكنها تحمل الرطوبة لفترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال أن تتضرر الأسطح الزخرفية للمباني القديمة بسبب كما أن زيادة تدفق المياه والرطوبة وزيادة كمية الأمطار يمكن أن تتسبب أيضًا في فقدان أنظمة الصرف قدرتها على امتصاص الماء، مما قد يؤدي إلى خلل في أنظمة مياه الأمطار وظهور تشققات وتشققات في التأثير أيضًا كالأحداث المناخية المفاجئة. يمكن لعوامل أخرى، مثل الزلازل والعواصف وتقلبات درجات الحرارة، أن تتسبب في تشقق المواد وتشققها وتقشيرها. والأسطح؛ ويؤثر ذلك على المباني الأثرية في مختلف المدن التاريخية، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر ببنية المباني وأساساتها.
وتوصل التحليل إلى أن التغيرات المفاجئة في ظروف التربة بسبب الظواهر المرتبطة بتغير المناخ قد تشكل تهديدا كبيرا للمعالم الأثرية المدفونة تحت الأرض والتي لم يتم اكتشافها بعد. ويؤدي ذلك إلى خلل في التوازن الهيدرولوجي والكيميائي والبيولوجي للتربة التي تحافظ على البقايا الأثرية لمئات وآلاف السنين، مما يؤدي إلى تسارع عملية التدهور والتآكل في مناطق حساسة من الآثار.
وخلص التحليل إلى أن العلاقة بين تغير المناخ والتراث الثقافي والأثري حظيت باعتراف دولي واسع النطاق بسبب مخاطرها المحتملة. وفي مؤتمر الأطراف COP 25 لعام 2019 في مدريد، تم تناول مسألة تأثير تغير المناخ على التراث الثقافي بأنواعه المختلفة، وأصبحت آثاره أكثر وضوحا في المؤتمرات اللاحقة، وصولا إلى “COP 28”. مؤتمر الأطراف في ديسمبر 2023 ترأست دولة الإمارات العربية المتحدة طاولة الحوار حول حماية المناخ الثقافي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية وتم النظر إلى مشكلة تغير المناخ من منظور واسع ثقافي وبيئي ومالي والتحديات العلمية.
وأضاف التحليل أن الحراك العالمي للحفاظ على التراث الثقافي هو رد فعل على الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الآثار الثقافية فعليا. ومن الجدير بالذكر أن هناك حوالي 24 موقعًا أثريًا معترفًا به من قبل منظمة اليونسكو والمتأثرة بالتغير المناخي في القارة الأفريقية، والتي تحتل المرتبة الأولى في الترتيب وأكثر مواقع التراث العالمي. وفي المركز الثاني تأتي قارة أوروبا بحوالي 21 موقعاً، وآسيا بحوالي 15 موقعاً.
تناول التحليل الأمثلة الرئيسية للمناطق الأثرية المتأثرة بالتأثيرات المناخية على النحو التالي:
مدينة البندقية: هذه المدينة الثقافية الشهيرة في شمال إيطاليا، وتبلغ مساحتها 118 متراً مربعاً، وهي عبارة عن جزيرة متصلة عن طريق القنوات المائية. تأسست في القرن الخامس، وتعتبر تحفة معمارية مكونة من قصور ومباني تاريخية، وبسبب التغيرات الطبيعية في سطح الأرض، كانت دائما عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، إلا أن الظاهرة أصبحت أكثر شيوعا في السنوات الأخيرة بسبب. لتغير المناخ والظواهر المرتبطة به خطر كبير على المدينة الأوروبية الشهيرة، إذ قدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن متوسط مستوى سطح البحر العالمي ارتفع بمقدار 0.1 إلى 0.2 متر في القرن العشرين وتفترض أن وسيرتفع متوسط مستوى سطح البحر العالمي بمقدار 0.09 إلى 0.88 متر بين عامي 1990 و2100. وتأثرت مدينة البندقية فعلياً بفقدان بعض ارتفاعها نتيجة الفيضانات التي حدثت في المدينة، ووفقاً لسيناريوهات التغير المناخي المعتدل، من المتوقع أن تفقد المدينة 54 سم من ارتفاعها بسبب الفيضانات الناجمة عن هذه الأحداث.
– منطقة تشان تشان: تقع في شمال البيرو وأضيفت إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو عامي 1982 و1983. وقد تأثرت بتغير وتيرة ظاهرة النينيو الطبيعية نتيجة التغير المناخي، مما تسبب في هطول أمطار غزيرة. ومن الجدير بالذكر أن الخسائر الاقتصادية العالمية نتيجة ظاهرة النينيو خلال هذه الفترة قد قدرت بـ البنك الدولي بنحو 14 مليار دولار أمريكي، وكانت حصة “بيرو” بلغت نحو مليار دولار أمريكي.
– كهوف موغاو: مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتقع الكهوف في دونهوانغ شمال غرب الصين، حيث تتعرض الأعمال الفنية والنقوش القديمة في المنطقة باستمرار لظواهر جوية متناقضة بسبب تغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والتقلبات المفاجئة. الأمطار الغزيرة غير عادية وتشكل تهديدًا واضحًا للمنطقة التاريخية.
وتوصل التحليل إلى أن التاريخ المصري وما يحتويه من آثار أثرية تعتبر من أهم ركائز التراث الثقافي العالمي على مر القرون. وأضافت أن مصر تتمتع بحضارة تاريخية عريقة وتراث حضاري فريد، منذ عهد الفراعنة إلى التاريخ المعاصر، ونظرا لوضوح تأثير التغير المناخي على مختلف المجالات – بما في ذلك التراث الثقافي والحضاري للبلاد – وقد بذلت جهودًا حثيثة لتسليط الضوء على المستوى الدولي على قضية تأثير التغير المناخي على الآثار المصرية، وهو ما تجلى بوضوح على مستوى الخطط والاستراتيجيات وبرامج العمل. وركزت الاستراتيجية الوطنية على أهمية “الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي من الآثار السلبية لتغير المناخ” كأحد توجهات الهدف الثاني للاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050، والذي يتوخى “بناء القدرة على الصمود والقدرات”. “التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ” من خلال تحديد عدة مسارات أهمها تقليل الخسائر والأضرار التي تلحق بأصول الدولة وحمايتها من تغير المناخ منها التراث الثقافي للبلاد.
وأضاف التحليل أنه على هامش استضافة مؤتمر قمة المناخ (COP 27) في شرم الشيخ، أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) مؤتمر قمة تغير المناخ (COP 27) بالتعاون مع الوزارة. أطلقت وزارة السياحة والآثار مبادرة لإنشاء صندوق لحماية المعالم الثقافية والمتاحف من أضرار تغير المناخ، مما يعزز التزام مصر بمكافحة تغير المناخ. وللصندوق عدة أهداف: دراسة التأثيرات الحقيقية للتغير المناخي على المواقع الأثرية والمتاحف، والبحث عن تمويل لوضع خطط لحماية الآثار.
بالإضافة إلى ذلك، حددت وزارة السياحة والآثار الهدف الرئيسي وهو “الحفاظ على التوازن البيئي واستدامة الأنشطة السياحية والآثارية” كأحد الأهداف الإستراتيجية للوزارة لتحقيق التنمية المستدامة في إطار رؤية مصر 2030، والتي تسعى الوزارة إلى تحقيقها. في العديد من البرامج والمشاريع التي تعزز الحفاظ على استدامة المواقع الأثرية وحمايتها من تأثيرات التغير المناخي. ولعل من أهم هذه المشروعات ما يلي: (ترميم قاعة الأعمدة الكبرى بمعابد الكرنك). – مشروع خفض منسوب المياه الجوفية بمقابر كوم الشقافة – مشروع ترميم وتطوير معبد دندرة).
بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ مشروعات حماية الآثار المصرية من العوامل الناشئة عن ظاهرة التغير المناخي لا يقتصر على وزارة السياحة والآثار فقط، بل تشارك في هذه المشروعات وزارات أخرى ذات صلة. نفذت وزارة الموارد المائية والري العديد من المشروعات التي تهدف إلى التكيف مع ظواهر التغير المناخي ويتم تنفيذها تحت شعار حماية الشواطئ المصرية من ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وما تسببه من آثار ومشاكل بيئية المناطق الساحلية المصرية مهددة بـ “التنوية” – وهي ظاهرة مناخية تحدث في المناطق الساحلية في الشتاء. ويصاحبها رياح قوية وأمطار غزيرة وعواصف رعدية ساحلية وتآكل الشواطئ وتملح الأراضي ومشاكل التعرية. ولعل أشهر هذه المشاريع هي: (حماية قلعة وحديقة قايتباي من خطر “الذبح” بفعل الأمواج العاتية في أوقات العواصف والتقلبات الجوية – حماية مدينة رأس البر التاريخية كجزء من الساحل مشروع حماية محافظة دمياط – مشروع خفض منسوب المياه الجوفية بمنطقة “أبو مينا” الأثرية بالإسكندرية والتي تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 1979 وهي الوحيدة في العالم. المنطقة المذكورة هي بناء أنابيب تصريف المياه للتطهير المنتظم وتحديث نظام التحكم الكهروميكانيكي.
وأشار التحليل إلى أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة ضرورية لضمان سلامة المعالم الأثرية المصرية وحمايتها من المخاطر التي تهددها سواء المتعلقة بالمناخ أو العوامل الجغرافية الأخرى. وأوضح الخاتمة أنه من الضروري تحسين رصد تأثير الظواهر المتعلقة بالتغير المناخي على المعالم الأثرية المختلفة من خلال إنشاء وحدات بحث ومتابعة متخصصة من أجل إيجاد حلول لتخفيف الأضرار وبناء القدرة على التكيف. التدخل السريع للجهات الحكومية وإقامة شراكات مع المنظمات الدولية ذات الصلة ونظرًا لفعالية المشروعات القائمة، هناك حاجة أخرى لمضاعفة الجهود للحفاظ على سلامة التراث الثقافي المصري.