وزير الخارجية: غياب المساءلة رغم الانتهاكات الإسرائيلية يشجع على التصعيد
ألقى وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، اليوم، كلمة المملكة العربية السعودية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وكان النص على النحو التالي:
نود أولاً أن نهنئ فليمون يونغ على انتخابه رئيساً للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ونشكر دينيس فرانسيس على جهوده خلال رئاسته في الدورة السابقة.
كما نغتنم هذه الفرصة لنعرب عن عميق امتناننا وتقديرنا للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على جهوده الحثيثة لتحقيق مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.
وقد سعت المملكة العربية السعودية منذ مشاركتها في إنشاء هذه المنظمة إلى بذل كل الجهود لترجمة ميثاق الأمم المتحدة إلى واقع ملموس من خلال ترسيخ احترام القانون الدولي والحفاظ على السلم والأمن الدوليين وقنوات التعاون الدولي المتعدد الأطراف. التعاون يدعم العمل في جميع المجالات.
وفي هذا السياق، لعبت المملكة دوراً فاعلاً في صياغة ميثاق المستقبل، الذي اعتمده قادة العالم هذا الأسبوع. وتعتبر المملكة “الميثاق” و”قمة المستقبل” فرصة لتأكيد المبادئ المشتركة وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات وتحقيق الأمن والسلام ودعم التنمية المستدامة للأجيال القادمة. وتلتزم المملكة بتفعيل دور المؤسسات المالية الدولية لضمان استمرار التعافي الاقتصادي وتقليل المخاطر.
يشهد عالمنا اليوم العديد من الأزمات التي تفاقمت بسبب مجرد إدارة هذه الأزمات دون إيجاد حلول عملية لمعالجتها. ويعود ذلك إلى تراخي الجهود الدولية الفعالة والانتقائية في تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، مما يوسع دائرة العنف والصراع ويشكل تهديدا لمبادئ الشرعية الدولية. وهذا يتطلب منا أن نلتزم بالمبادئ والأسس التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، وأن نعمل معًا وبجدية نحو حلول سلمية طويلة الأمد تضمن حماية المدنيين، وإنهاء القتال والحروب، وتعزيز الأمن والتنمية على الصعيدين الإقليمي والإقليمي. وعلى المستوى الدولي، فإن نهج المملكة هو الابتعاد عن الاستقطاب السياسي في المجتمع الدولي، ويهدف إلى تحسين الحوار والتفاهم والتقارب بين الدول بما يعزز الأمن والسلام العالميين.
في هذا الصدد؛ وتجدد المملكة رفضها وإدانتها لكافة الجرائم البشعة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الشقيق. إن الجرائم الأخيرة ضد المدنيين العزل في قطاع غزة ما هي إلا فصل واحد من معاناة هذا الشعب الشقيق المستمرة منذ عقود، والتي أودت الممارسات الإسرائيلية الوحشية منذ العام الماضي بحياة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، معظمهم وقد تم استهداف النساء والأطفال منهم بشكل منهجي، ونتيجة لذلك فإن القصف والقتل والدمار والمجاعة في كارثة إنسانية كبرى تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
وانطلاقا من رفضنا القاطع لهذا الواقع المرير وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهائه، استضافت المملكة القمة العربية الإسلامية المشتركة الاستثنائية في الرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2023، بحضور رؤساء دول وحكومات الجامعة. الدول الأعضاء في الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، واتخذت القمة قرارات تمثل إرادة كافة الشعوب العربية والإسلامية، تدعو إلى تجنب إراقة الدماء، وتقديم المساعدات دون قيود، وتحقيق المطالب المشروعة للشعوب العربية. الشعب الفلسطيني الشقيق، لاستعادة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة.
وترأست المملكة اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية الاستثنائية المشتركة للقيام بزيارات لعدد من الدول. وندعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤوليته لوقف العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين.
ومن هذا المنطلق؛ ترحب المملكة بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو 2024، الذي يعلن أن دولة فلسطين مؤهلة للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. ويرحب أيضاً بالقرار الإيجابي الذي اتخذته مملكة النرويج. مملكة إسبانيا وجمهورية أيرلندا وجمهورية سلوفينيا وجمهورية أرمينيا في اعترافها بدولة فلسطين الشقيقة وتدعو الدول المتبقية إلى تعزيز الاعتراف الثنائي وإدراك مسؤوليتنا المشتركة لاتخاذ خطوات جادة نحو الاعتراف بالمستقل لتجسيد الدولة الفلسطينية. وأعلنت المملكة وشركاؤها أعضاء اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة ومملكة النرويج والاتحاد الأوروبي إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وندعو الجميع للانضمام إلى هذا التحالف. .
وقدمت المملكة مساعدات للشعب الفلسطيني الشقيق بأكثر من 5 مليارات دولار، ومنذ بداية الأزمة الحالية في غزة قدمت المملكة ما يقارب 185 مليون دولار مساعدات ومعونات عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية. وتم التوقيع بالدولار الأمريكي مع عدد من المنظمات والمنظمات الإنسانية الدولية لتنفيذ مشاريع إنسانية بقيمة تزيد عن 106 ملايين دولار أمريكي، وستستمر المملكة في دعم الأونروا لتمكينها من تقديم خدماتها المساعدة وتوفير الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية. احتياجات إخواننا اللاجئين الفلسطينيين، حيث تجاوز إجمالي دعم المملكة للأونروا المليار دولار.
ترحب المملكة بفتوى محكمة العدل الدولية بشأن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأكيدها عدم شرعية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 57 عاماً. وتؤكد المملكة ضرورة اتخاذ خطوات عملية وذات مصداقية لتحقيق الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية لمبادرة السلام الدولية والعربية، بما يضمن حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته. دولة مستقلة على حدود 1967 وإقامة القدس الشرقية عاصمة لها.
إن غياب المساءلة والعقاب على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقانون الدولي والإنساني يشجع على التصعيد. إن هذا التصعيد لن يجلب الأمن والاستقرار لأي من الطرفين، ويحمل عواقب خطيرة، وزيادة في حجم الحروب العنيفة، وتهديدا أكبر لأمن واستقرار المنطقة.
وتؤكد المملكة على ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتنضم إلى الجهود الدولية الرامية إلى وقف فوري لإطلاق النار لتمهيد الطريق أمام حل دائم يمهد للحل الدبلوماسي. كما ندعو كافة الأطراف إلى التحلي بالحكمة وأقصى درجات ضبط النفس لإنقاذ المنطقة وشعوبها من مخاطر ومآسي الحرب.
وقد اتخذت المملكة خطوات واضحة لتعزيز الهدوء والتنمية على المستوى الإقليمي، حيث اتفقت مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها. الشؤون الداخلية واحترام ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، مما له الأثر الإيجابي على ترسيخ الأمن والاستقرار وتعزيز التنمية والرخاء الإقليميين، ونتطلع إلى العمل مع المجتمع الدولي في هذا الصدد بشأن البرنامج النووي والنووي. كما استأنفت المملكة علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية. تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين بشأن القضايا المشتركة، انطلاقاً من إيمان المملكة بأن حل الأزمة السورية سيسهم في تنمية واستقرار المنطقة، مع إدراك أهمية الحفاظ على وحدتها وأمنها واستقرارها وأراضيها. لإبراز وحدة سوريا بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
المملكة مهتمة بعودة السلام إلى اليمن الشقيق وتدعم كافة الجهود الرامية لحل الأزمة وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق، وتحث على الحلول السياسية لضمان الأمن والاستقرار في اليمن واستعادة المنطقة . ويجدد مبادرته لإنهاء الحرب في اليمن وإيجاد حل سياسي شامل.
ونظراً للتوترات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر والتي تؤثر على أمن الممرات الملاحية الدولية والتجارة العالمية، تجدد المملكة دعوتها إلى توخي الحذر وتجنب التصعيد وتعزيز الجهود المشتركة للحفاظ على أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر حيث حرية الملاحة. هو مطلب دولي يؤثر على مصالح العالم أجمع.
وفي الشأن السوداني، تؤكد المملكة موقفها الثابت للحفاظ على أمن السودان واستقراره، وتماسك الدولة ومؤسساتها، ومنع انهيارها، ودعم المملكة في مواجهة تطورات وتأثير الأزمة الحالية التي تستضيفها البلاد. محادثات السلام السودانية في محافظة جدة. وللتأكيد على ضرورة التهدئة ووقف العمليات العسكرية وإيصال المساعدات والإمدادات الإنسانية، يجري العمل على استئناف محادثات جدة 3 لهذا الغرض.
وتجدد المملكة حرصها على أمن أفغانستان واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وعدم إمكانية أن تعيش أفغانستان بمعزل عن محيطها الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الخطر الذي يمثله تواجد الجماعات الإرهابية في أفغانستان. ونؤكد على الأهمية ونؤكد أن الاستقرار الاقتصادي والتنمية لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة يسودها الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وفيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية؛ وتجدد المملكة دعوتها لإنهاء الأزمة والحد من تأثيرها السلبي وأثرها على أمن واستقرار العالم. وقد بذل ولي العهد ورئيس الوزراء جهودا كبيرة للإفراج عن عدد من السجناء من مختلف الجنسيات، وفي اجتماع مستشاري الأمن الوطني وممثلي أكثر من 40 دولة، تؤكد المملكة على ضرورة بذل كل جهد ممكن لإنهاء الأزمة. كما تجدد المملكة استعدادها لمواصلة جهود الوساطة بين طرفي الأزمة.
تهدف المملكة بناءً على رؤيتها 2030 إلى تحقيق تطلعات الأجيال القادمة وتمكين المرأة والشباب وتنمية الإبداع والابتكار وترسيخ قيم التسامح ومد جسور التواصل مع العالم وتحقيق نهضة مستدامة تركز على على الناس بما يحفظ كرامتهم ويلبي مطالبهم.
وفي قطاع الطاقة، تسعى المملكة إلى تحقيق التوازن بين ثلاث ركائز: أمن الطاقة، وتوفير الطاقة بأسعار معقولة للجميع، والحد من تأثير تغير المناخ. تهتم المملكة باستقرار وموثوقية واستدامة أسواق النفط العالمية وتلبية الاحتياجات بطريقة تعمل على تحسين توافر الطاقة وسهولة الوصول إليها بالإضافة إلى أمن الإمدادات. ولضمان اقتصاد عالمي مزدهر يعود بالنفع على المنتجين والمستهلكين، تلتزم المملكة بالمساهمة في الحد من آثار تغير المناخ من خلال اتباع نهج شامل لتحول الطاقة، يرتكز على أسس منطقية ومنظمة وعادلة تقوم على تحقيق أهداف المؤتمر. يتم تحقيق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس من خلال الاستفادة من جميع التقنيات التي تساهم في انبعاثات غازات الدفيئة من جميع المصادر، بما في ذلك النفط والغاز، والتي ستظل جزءًا أساسيًا من المناخ العالمي في العقود القادمة. وسيتم، بالإضافة إلى التقنيات التي جعلت المملكة واحدة من الدول الأقل في انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، مؤشر كثافة انبعاثات الكربون والميثان. ويستمر تطوير منتجات الطاقة الأخرى ذات الانبعاثات المنخفضة في قطاع النفط والغاز. وتعمل المملكة على بناء مجمع لالتقاط ونقل وتخزين الكربون في مدينة الجبيل الصناعية، بقدرة على التقاط وتخزين ما يصل إلى 9 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2027 وبطاقة قصوى تبلغ 44 مليون طن سنوياً. بحلول عام 2035.
تدعم المملكة أهداف التنمية المستدامة والتعاون الدولي لمواجهة تحديات تغير المناخ. وأعلنت المملكة في القمة السعودية الإفريقية بالرياض عن تخصيص نحو 50 مليار دولار لدعم هذه الجهود، وأطلقت عدة مبادرات رائدة تعتمد على نهج الاقتصاد الدائري للكربون، مثل: المبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بالإضافة إلى للاستثمار في أفضل التقنيات لتقليل كثافة الكربون وزيادة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأمثل لتوليد الطاقة وإنتاج الهيدروجين النظيف، وتلتزم بأن تصبح منتجًا ومصدرًا عالميًا رئيسيًا له، ودعم المملكة أيضًا العديد من المشاريع المعنية وترشيد الاستهلاك وزيادة كفاءة الطاقة وحماية الحياة البرية والحفاظ على الثروة المائية والحياة البحرية.
ومن هذا المنطلق؛ واستضافت المملكة عام 2024 يوم البيئة العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، كما ستستضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP16) في وقت لاحق من العام الجاري. وتأكيداً على التزامها بحماية البيئة ومقاومة ومكافحة الجفاف والتصحر، حصلت المملكة على عقد استضافة المنتدى العالمي الحادي عشر للمياه عام 2027. وأشير إلى إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-. وفي سبتمبر من العام الماضي تم إنشاء المنظمة العالمية للمياه، التي تهدف إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة مشاكل المياه بطريقة شاملة.
والمملكة ملتزمة بالعمل من أجل عالم خال من الأسلحة النووية وشرق أوسط مستقر. ومن هذا المنطلق تؤكد المملكة على ضرورة التزام كافة الدول بالحفاظ على نظام منع الانتشار مع الحفاظ على حق الدول في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وتدعم المملكة جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية، ونؤكد على أهمية تعزيز العمل المشترك والتنسيق المستمر بين الشركاء الدوليين للتصدي للخطر الذي تشكله هذه الجماعات على بلداننا وشعوبنا. ونؤكد على ضرورة بذل جهود أكبر للحد من تأثير الحملات الدعائية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية ونؤكد على أهمية استمرار التعاون الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب وضرورة تبادل المعلومات في هذا الصدد.
وقد نالت المملكة ثقة المجتمع الدولي باختيارها لاستضافة معرض إكسبو العالمي 2030 تحت شعار “عصر التغيير: المضي بكوكبنا للأمام نحو استشراف المستقبل”، وذلك لتحقيق فكرة المعرض المتمثلة في استشراف المستقبل. مستقبل الكوكب والتطورات التكنولوجية المفيدة مع التركيز على أهداف التنمية المستدامة. ويمثل المعرض فرصة لتعزيز العمل في المشاريع ذات التأثير العالمي والعمل معًا لإيجاد حلول عالمية من خلال الابتكار والاستدامة والشمولية. والتزامًا منها تجاه الدول النامية، تعرب المملكة عن امتنانها وتقديرها للدول التي دعمت استضافة هذا الحدث العالمي.
وأخيراً، نتطلع إلى أن تساعد جهودنا في إيصال رسالتنا وقيمنا ومبادئنا إلى العالم في جو من الاحترام والشراكة لبناء مستقبل أفضل للإنسانية جمعاء.
حضرت كلمة المملكة سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز وكيلة وزارة الخارجية لعدة شؤون دولية والمشرف العام على الشؤون الدولية. وكالة وزارة الشؤون الدبلوماسية العامة د. عبدالرحمن الريسي، ومندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفير د. عبدالعزيز والسفير هيثم المالكي ومدير عام مكتب وزير الخارجية عبدالرحمن الداود.