المولد النبوي .. فى مصر حاجة تانية

منذ 2 شهور
المولد النبوي .. فى مصر حاجة تانية

ومولد العروس والحصان، وحلقات الغناء، والمدائح النبوية، و”العرس الصوفي” من أهم جوانب الاحتفال.

ويعتبر باب البحر معقل صناعة الحلويات بأسعار الماضي. الكيلو المشكل في المصنع بـ55 جنيهًا ويذهب للمستهلك بـ115!

دكتور. علي جمعة: الاحتفال بالمولد جائز شرعا ومن أفضل الأعمال وأعظم القربات

 

ولدت القيادة وأشرقت الكائنات كلها… وفم الزمان يبتسم ويحمد. الروح والملائكة من حوله.. بشرى للدين والدنيا. بهذه الكلمات الرائعة تغنى الشاعر أحمد شوقي احتفالا بمولد خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وما كانت هذه الكلمات إلا تعبيرا عن حب الشعب المصري للنبي ورسوله. عائلته الحب الذي ينتقل من جيل إلى جيل. تختلف مصر عن غيرها من الدول الإسلامية والعربية في الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية، خاصة المولد النبوي الشريف، والتي تعتبر من أهم المناسبات، إن لم تكن أهمها. يمتد احتفال المصريين بالمولد النبوي لأكثر من ألف عام منذ غزو الفاطميين لمصر، وجوانب هذه الاحتفالات تكاد تكون هي نفسها، فهي لم تتغير طوال هذه السنوات، سواء في إنتاج الحلويات أو توزيعها. الطعام أو إقامة الأجنحة والسرادقات حول المساجد الكبرى والأحياء الشعبية.

وإذا رجعنا إلى التاريخ لنعرف من أول من احتفل بالمولد النبوي نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من احتفل بالمولد النبوي كما كان يصوم يوم الاثنين ويقولون: “هذا اليوم الذي ولدت فيه”. أما الحكام والوزراء والمشايخ، فمنهم من يشير إلى أن شيخ الموصل عمر الملا نور الدين محمود زنكي، وهو مقرب من الموصل. وكان حاكم أربيل أول من اهتم بالاحتفال بالمولد النبوي بشكل منظم، ويشير بعضهم إلى أن والي أربيل أول من قام بذلك بشكل كبير ومنظم، حيث احتفل شمال العراق بالملك المظفر أبو سعيد الكوكبري في عهد الدولة الأيوبية. وفي مصر بدأت الاحتفالات بالمولد النبوي مع الفاطميين الذين سعوا إلى كسب قلوب المصريين عند دخولهم البلاد، علماً أن الشعب المصري كان يحب النبي وأهل بيته بقلم المعز لدين الله الفاطمي وكان أول حاكم فاطمي لمصر هو مؤسس الأعياد والمواكب، وكان الاحتفال بالمولد النبوي من أهمها. ولم يقتصر الأمر على هذا بل امتد إلى الاحتفال بمولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين. ولم تتغير الاحتفالات إلا قليلاً منذ العصر الفاطمي إلى يومنا هذا. ويستمر إنتاج الحلويات وتوزيع الطعام والصدقات على الفقراء حتى يومنا هذا، حيث يتم نصب المظلات والخيام المزينة بالأنوار في الأحياء الشعبية لبيع حلويات المولد. وتذكر المصادر التاريخية أن الفاطميين احتفلوا بعيد ميلادهم وذهبوا إلى أبعد الحدود بصنع الحلويات وإشعال الشموع في الأسواق وإعداد الولائم، بالإضافة إلى موكب رئيس القضاء وحمل أطباق الحلوى وتزيينها بتماثيل مصنوعة من السكر. “العرائس” إلى الجامع الأزهر ثم إلى قصر الخليفة.

هذه الظهورات بالشكل الدقيق المذكور لم تعد موجودة لأسباب مختلفة، لكن أساس الاحتفال بصنع الحلويات ودمى المولد مستمر حتى يومنا هذا. إذا قمت بالتجول في أي شارع اليوم، فستجد محلات حلويات المولد ومتاجره في كل مكان. يتم فيها عرض مختلف أنواع الحلويات، خاصة البسيمة والفاصولياء العريضة والملبنة المحشية بالجوز وغيرها، ويقوم أصحابها بتزيينها وإضاءةها بالمصابيح احتفالاً بقدوم المولد النبوي، خاصة في الحي الشعبي الذي هذا المظهر مع كل ما زال يحتفظ بتفاصيله. تتمتع مصر بطابع خاص للغاية عندما يتعلق الأمر بالاحتفالات بأعياد الميلاد، وتختلف جوانب احتفالاتها عن بقية الدول العربية والإسلامية. وفي بلدان أخرى، قد يقتصر الأمر على استهلاك بعض الأطعمة، مثل “عصيدة الزقوقو” في تونس، وهي وجبة مصنوعة من الصنوبر المطحون والمزينة بطبقة من الكريمة والفواكه المجففة، وفي بعض مناطق البلاد جزائريون احتفلوا بهذا من خلال تحضير “الطمينة”، وهي حلوى تقليدية مصنوعة من سميد القمح – العسل والزبدة، بينما يقوم العراقيون بطهي الزردة من الأرز والسكر وماء الورد والهيل ويزينون بالقرفة. وفي مصر توجد العروسة وفرس المولد، إلى جانب جلسات الغناء والمدائح النبوية، فضلا عن تنظيم احتفالات “الزفة” للطرق الصوفية، والتي تشتهر بها الطرق الصوفية المصرية أكثر من غيرها من الدول العربية والإسلامية. وفيه يجتمع الآلاف من محبي وأقارب الرسول من شرق البلاد ومغربها ويأتون إلى مسجد مولانا الإمام الحسين حفيد رسول الله للاحتفال وإحياء ذكرى المولد مسجد صالح الجعفري وينتهي بالوصول إلى مسجد الإمام الحسين، تتخللها الأذكار والأناشيد في حب سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، ولكل المجموعة أعلام الصوفية – النظام الذي ينتمون إليه ويغني باستمرار المدائح النبوية. وينضم إليهم العديد من المواطنين الذين يصطفون حولهم ويستمتعون بهذه الاحتفالات أثناء توزيع الحلوى على الأطفال.

وطالما أننا نتحدث عن المولد النبوي فإن التاريخ لا يخلو من مولد العروس والفرس، وهو تقليد عمره الآن أكثر من 1000 عام وينتقل من جيل إلى جيل لأنه الخليفة الخليفة. صاحب الفتوحات والانتصارات، ويصوره وهو جالس على ظهور الخيل ويحمل السيف. بينما العروس، كما يعتقد المؤرخون، كانت تمثل زوجة الخليفة، فقد بدأ ظهورها في العصر الفاطمي على يد الحاكم بأمر الله، الذي رافق إحدى زوجاته للخروج معه في عيد ميلاده، وكانت ترتدي أجمل الملابس والألبسة. والزينة، إذ ارتدت ثوباً أبيض ناصعاً ووضعت على رأسها تاجاً من الياسمين، حتى ولدت فكرة بين صناع الحلوى صنع دمية على شكل زوجة الحاكم من الحلوى وتزيينها. بالإضافة إلى ذلك، منع الخليفة الحاكم في بعض سنوات حكمه الناس من إقامة الأعراس وإقامة الزينة، إلا بمناسبة المولد النبوي، حيث يتم إجراء حفل الزفاف على شكل عروس للاحتفال بالزفاف القادم. ولذلك جرت العادة في العادات المصرية تقديم هدية للعروس في عيد ميلاد النبي. وقام “الوفد” بجولة في منطقة باب البحر، معقل صناعة الحلويات المولد في القاهرة، لجمع آراء أصحاب المصانع حول أجواء المولد النبوي هذا العام، حيث أكد البعض أن الطلب على الحلويات هذا العام في المقارنة ضعيف مقارنة بالسنوات السابقة بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وخاصة السكر.

«لقد ارتفع سعر السكر بالنسبة لنا، لكن الزيادة دائماً تعود بالفائدة على العميل.. لكنها تجبرنا على خفض إنتاجنا». بهذه الجملة، عبّر أحد مصنعي الحلويات في منطقة باب البحر عن تأثير ارتفاع الأسعار في الصناعة هذا العام. وقال إن أسعار الكيلو جرام المختلط من المصنع تبدأ من 55 إلى 100 جنيه وتختلف الأسعار حسب طلب العميل ونوع الحلويات الموجودة بالطلب، لافتا إلى أن الطلب يتكون من فول عريض وحمص وسمسم. والنوجا وجوز الهند والشكلا وأشياء أخرى. وفيما يتعلق بعملية صنع حلويات المولد، أشار إلى أنها تتم بتسخين بذور السمسم أو الحمص أو الفول جيداً ثم وضعها في وعاء مع السكر الساخن والعسل ومن ثم “تقليب” كل شيء لبدء مرحلة التشكيل والتقطيع، بينما الملبن مصنوع من السكر والعسل والنشا. وأشار إلى أن العمل في المصنع لا يقتصر على الرجال فقط، بل هناك أيضا نساء يشاركن في العمل أثناء عملية التعبئة والتغليف. كشفت جولتنا في المحلات التجارية والمتاجر التي تبيع الشمر والفستق واللوز أن أسعار الكيلو المختلط تتراوح من 100 جنيه مصري إلى 160 جنية مصري، وترتفع إلى كميات ضخمة تبلغ 800 جنيه مصري و1000 جنيه مصري مع زيادة التنوع.

يتكرر كل عام سؤال حول شرعية وتنظيم الاحتفال بالمولد النبوي. والجواب على ذلك كان بفتوى من د. علي جمعة مفتي الجمهورية السابق أكد فيها أن الاحتفال بالمولد النبوي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم الروابط لأنه تعبير عن الفرح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أصول الإيمان. وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»، وهو صلى الله عليه وسلم. كما أصدر لنا صلى الله عليه وآله نوعاً من الشكر لله تعالى على ولادته الشريفة، فصام يوم الاثنين وقال: «هذا اليوم الذي ولدت فيه». وكذلك يجوز الاحتفال وتذكر مواليد آل النبي وأولياء الله الصالحين، لما في ذلك من الاقتداء بهم والسير على طريقهم، ولما كان الوصية الشرعية بذكر الصالحين قال الله تعالى: : “واذكر في الكتاب مريم” ومريم عليها السلام صادقة وليست نبية. وكذلك الأمر بتذكير الناس بالأيام التي قال الله تعالى فيها: “”هي أيام الله”، وأيام الله تعالى متضمنة لأيام الميلاد، لأن فيها بركة”. حصل الخلق، وهو سبب لحصول جميع النعم التي سيحصل عليها الإنسان بعد ذلك، فتذكره والتذكر كان باباً لنعم الله عز وجل، عن شكر الناس.


شارك