الميثاق الوطني واتفاق الطائف.. كيف تشّكلت المحاصصة الطائفية بنظام الحكم في لبنان؟
يعقد مجلس النواب اللبناني، صباح اليوم الخميس، جلسة مهمة لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد خلو المنصب لأكثر من عامين منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر 2022.
وفي الفترة السابقة، فشل البرلماني اللبناني في انتخاب رئيس للبلاد في 12 جلسة عام 2023 بسبب التغيب عن الجلسة وعدم اكتمال النصاب أو استخدام خيار الورقة البيضاء ومنع المرشحين من استيفاء متطلبات الانتخاب. أغلبية الثلثين في الجلسة الأولى والأغلبية المطلقة في الجلسة الثانية.
وتضاعف تعقيد المشهد السياسي في لبنان بسبب التوترات بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله الذي أطلقت عليه المقاومة في لبنان جبهة دعم غزة، وما تبعه من عدوان مباشر للاحتلال الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية واغتيال قيادات في حزب الله بينهم. بقيادة أمينها العام حسن نصرالله.
بالموافقة على وقف إطلاق النار بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، ألقى رئيس مجلس النواب اللبناني حجراً في مياه «الشغور الرئاسي» الراكدة، ودعا إلى جلسة انتخابية رئاسية في 9 كانون الثاني (يناير) المقبل.
وبتفاؤل بأن تنهي هذه الجلسة الفراغ الرئاسي، ننظر إلى تاريخ لبنان السياسي والانقسام الطائفي للمناصب القيادية، إذ يحدد لبنان مدة الرئاسات الثلاث بأنها “الجمهورية، مجلس النواب والحكومة” على التوالي، تتمتع بصلاحيات قوية تكون متوازنة مع الآخرين.
-ما هي جذور الطائفية في لبنان؟
يعتبر لبنان من أكثر البلدان تنوعاً في الشرق الأوسط، حيث يعيش فيه حوالي 18 طائفة معترف بها. إلا أن مشكلتها الطائفية ليست وليدة الحاضر، بل تعود جذورها إلى عام 1840. واتضح الانقسام الطائفي وتم تطبيق نظام المحاصصة الطائفية لاحقا، مما أدى إلى توحيد الطائف الذي أدى إلى استقرار سياسي نسبي، ولكن بحسب في دراسة أجراها المركز الديمقراطي العربي، كان الأمر مؤقتا فقط.
وتؤكد الدراسة أن هذا الاتفاق لم يمثل حلاً جذرياً لمشكلة التنافس على السلطة والمناصب، بل جعل الدولة أسيرة حسابات ومداولات طائفية، كما جعلها عرضة للابتزاز والانتهازية النفعية من الداخل والخارج. دون أن تستغل أطراف خارجية ورقة العبادة لتعزيز مصالحها، مما يترك الأفراد عرضة لتغيير معتقداتهم وتحالفاتهم لتحقيق منافع شخصية أو مناصب سياسية.
-الميثاق الوطني
تم إنشاء الميثاق الوطني اللبناني خلال فترة الاستقلال عن فرنسا عام 1943، على خلفية دعم بريطانيا لحركات الاستقلال ودعم الجهود اللبنانية لتحقيقها. منذ الثلاثينيات وحتى الاستقلال، شهد لبنان أحداثاً حاسمة تمحورت حول مبدأين أساسيين يظلان أساس النظام السياسي اللبناني اليوم: “إنكار مطلب الوحدة العربية” و”إنكار مطلب الحماية الأجنبية”.
إن إنشاء الميثاق الوطني هو نتيجة سلسلة لقاءات واتفاقات بين بشارة الخوري ورياض الصلح، ويرى بعض الباحثين، بحسب عاطف عطية في كتابه “الدولة المؤجلة: دراسة في” المعوقات إلى إنشاء الدولة والمجتمع المدني في لبنان” أن الميثاق يمثل تتويجا لنضال الشعب اللبناني ضد الاستعمار الفرنسي، بينما يرى آخرون أنه كان مجرد اتفاق سياسي بين القادة، في حين يرى ثالث وترى الجماعة أن الميثاق له طابع طائفي لأنه يحافظ على توزيع الرئاسات الثلاث. بين الموارنة والسنة والشيعة؛ وقد عزز هذا نظام المحاصصة الطائفية الذي لا يزال قائما حتى اليوم.
ويعتبر اتفاق الطائف من أهم الخطوات في تاريخ لبنان الحديث، حيث أنهى حالة الانهيار السياسي والأمني التي عصفت بالبلاد خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، مما خلق فراغا دستوريا مع عدم القدرة على تعيين رئيس جديد. الرئيس خلفاً له الرئيس أمين الجميل، وفشل مجلس النواب في انتخاب رئيس، إلى جانب فشل الاتفاق الثلاثي بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات المسلحة اللبنانية مما زاد من تعقيد المشهد السياسي.
وبعد فشل الاتفاق الثلاثي وتصاعد الأزمة، انتعش الاهتمام الدولي والعربي بالشأن اللبناني، لا سيما من قبل الولايات المتحدة والسعودية. تم اقتراح العديد من المبادرات، مثل وثيقة التحرير في 13 يونيو 1987، ومشروع 11 نوفمبر 1987، الذي كان نقطة الانطلاق لمؤتمر الطائف.
وكان لرفيق الحريري دور بارز في هذه الجهود، حيث تضمنت المبادرات مقترحات لإصلاح النظام السياسي وتحديد صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية. لكن هذه المحاولات باءت بالفشل في تحقيق الاستقرار حتى وصل اتفاق الطائف إلى ذروته.
– التوقيع على اتفاق الطائف
دكتور. يصف عارف العبد مكان التوقيع عندما أُعلن رسمياً عن نهاية الحرب الأهلية اللبنانية يوم الأحد 22 أكتوبر 1989، في تمام الساعة 10:45 مساءً في قصر المؤتمرات في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية.
عند هذه النقطة، وافق 58 نائباً في مجلس النواب اللبناني على ما يسمى بـ”وثيقة الوفاق الوطني اللبناني” بعد 22 يوماً من المناقشات والمجادلات الدستورية والقانونية والسياسية.
وفي الوقت نفسه، وقع هؤلاء النواب على معاهدة لإنهاء استمرار مجلسهم المنتخب عام 1972، والذي استمر في تجديد نفسه خلال سنوات الأزمة اللبنانية التي أوقفت كل شيء في لبنان، باستثناء النظام السياسي، والتي ظلت صامدة حتى آخر نفس لها في الطائف.
– الإصلاحات السياسية في اتفاق الطائف
وركز اتفاق الطائف على زيادة المشاركة السياسية والمساواة بين الطوائف اللبنانية، حيث تم تقسيم مقاعد مجلس النواب بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، ليرتفع عددهم إلى 128 مقعدا. كما شدد على ضرورة إلغاء الطائفية السياسية في المستقبل وأوصى بإصلاحات في الأنظمة الانتخابية والقضائية والإعلامية والتعليمية.
ومن أبرز تغييرات الاتفاق الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية حيث تحول من رئيس السلطة التنفيذية إلى رئيس دولة خالص مع واجب التشاور في تعيين رئيس الوزراء. في المقابل، تم توسيع صلاحيات رئيس الوزراء، فيما بقيت صلاحيات رئيس مجلس النواب دون تغيير، باستثناء تحديد مدة ولاية انتخاب المجلس بأربع سنوات.
-ما هي التحديات التي واجهها لبنان بعد الطائف؟
ورغم أن اتفاق الطائف أرسى أسساً جديدة للنظام السياسي اللبناني، إلا أنه لم يخلو من المشاكل التي ظلت تلقي بظلالها على المشهد السياسي وظهرت التناقضات بين الرئاسات الثلاث:
الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بسبب حصر صلاحيات رئيس الجمهورية ومنح صلاحيات جديدة لرئيس مجلس الوزراء، الخلاف حول طلب انعقاد مجلس الوزراء بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، المؤسسة العسكرية التي نشأ فيها الخلاف حول سلطة رئيس الجمهورية كقائد عام للقوات المسلحة، لا سيما في ما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالدور السوري في لبنان.