أمين عام الإفتاء: الذكاء الاصطناعي فرصة لتعزيز قيم الوسطية
قال الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم د. وأكد إبراهيم نجم أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة استراتيجية يمكن الاستفادة منها لتعزيز قيم الاعتدال ونشر الفكر المعتدل، كما أنه أداة مهمة لمواجهة الأفكار المتطرفة التي تهدد استقرار المجتمعات.
جاء ذلك خلال كلمته في المنتدى السنوي لمراكز الفكر في الدول العربية، في دورته الثانية بمقر جامعة الدول العربية، والذي يختتم اليوم أعماله تحت شعار “نحو آلية عربية لمواجهة التهديدات الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الجماعات الإرهابية”.
وقال نجم إن التحول الرقمي أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها في مختلف المجالات بما فيها المجال الديني، مؤكدا أن المؤسسات الدينية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في اعتماد أدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق رسالتها في تحقيق حضورها وتحسينه.
وأضاف: «التطبيقات الذكية تتيح لنا فرصة غير مسبوقة لتقديم النصوص الدينية بطريقة معاصرة دون المساس بأصالتها أو التحايل على الضوابط الشرعية».
وأوضح أن هذه الأدوات تعد وسيلة فعالة لدعم الوسطية والتصدي للأفكار المتطرفة، لافتا إلى أن النجاح في هذا المجال يتطلب رؤية متكاملة تجمع بين القيم الدينية والاحتياجات التقنية لضمان توافق نتائج الذكاء الاصطناعي مع الثوابت القانونية.
وناقش الأمين العام التحديات الرئيسية في استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الديني، وقسمها إلى تحديات فنية وقانونية واجتماعية. وأشار إلى محدودية قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية على فهم التنوع الثقافي والديني، فضلا عن عدم وجود قواعد بيانات جنائية دقيقة يمكن الاعتماد عليها لتطوير التطبيقات الذكية.
وشدد على ضرورة الاستثمار في تطوير هذه القواعد حتى تصبح مرجعية موثوقة تخدم أهدافا مشروعة، ولفت إلى خطورة البرمجة المتحيزة التي يمكن أن تساهم في تفسير النصوص الدينية بما يخدم أهدافا متطرفة. .
وأوضح أن ذلك يتطلب وضع معايير وقواعد أخلاقية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الديني، وتضمن توافق نتائجه مع القيم المعتدلة. كما تناولت التحديات المجتمعية التي يفرضها استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر فتاوى غير موثوقة أو تحريضية عبر الإنترنت.
وأشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الرقمية وتقليل التفاعل المباشر بين العلماء والجمهور، مما يتطلب تدخل المؤسسات الدينية للسيطرة على هذا الجانب.
واستعرض الأمين العام الدور وهيئات الإفتاء في العالم من الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي لتحسين العمل الديني، مشيراً إلى إمكانية استخدامه في عدة مجالات رئيسية، بما في ذلك تحليل النصوص المتطرفة واستخلاص أنماط التحريض، والتي يساعد في صياغة استراتيجيات فعالة لمكافحة الفكر المتطرف.
وقال: “إن هذه الأدوات يمكن أن تزود المؤسسات الدينية وصناع القرار بتقارير منتظمة عن التوجهات الفكرية المتطرفة، مما يدعم جهودهم في هذا المجال”.
كما دعا إلى إنشاء منصات رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم فتاوى موثوقة، مع التركيز على قضايا الشباب والتحديات الراهنة. وأوضح أن هذه المنصات يمكنها تقديم إجابات دقيقة ومتعددة اللغات، مما يوسع نطاقها.
وأكد أهمية تطوير التطبيقات التعليمية التفاعلية التي تقدم دروسا في تفسير القرآن والحديث بطرق مبتكرة، منها على سبيل المثال استخدام تقنيات الواقع الافتراضي لتوضيح السياقات التاريخية للنصوص الشرعية، مما يثري العملية التعليمية ويعزز التفاعل. وأشاد بإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل النقاط المشتركة بين النصوص الدينية لتحسين الحوار بين الأديان، قائلا: “تطوير الخوارزميات التي تسلط الضوء على القيم المشتركة بين الأديان يسهم في نشر التسامح والتعايش السلمي”.
وشدد الأمين العام للأمانة العامة على الدور القيادي الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الدينية المعتدلة في هذا المجال. ودعا إلى إنشاء مركز عالمي متخصص في الذكاء الاصطناعي الشرعي تحت مظلة الأزهر ودار الإفتاء المصرية، يضم فرق متكاملة من علماء الدين وخبراء التكنولوجيا لوضع حلول مبتكرة وموثوقة.
كما أكد على ضرورة تنظيم برامج تدريبية لتأهيل القيادات الدينية والدعاة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص ودحض الأفكار المتطرفة، فضلا عن إطلاق مبادرات عالمية تسهل تبادل الخبرات والرؤى بين المؤسسات الدينية الداعمة ومنظمات المجتمع المدني. خبراء التكنولوجيا.
واقترح نجم عددا من الخطوات العملية، من بينها إطلاق منصة شاملة تقدم خدمات الفتوى. دروس تفاعلية وتقارير تحليلية عن الخطابات المتطرفة وإنشاء موسوعة قانونية رقمية تعتمد على بيانات دقيقة للتطبيقات الذكية وتطوير تطبيقات موجهة للشباب تقدم الإرشاد الديني بطريقة بسيطة وجذابة.
كما شدد على ضرورة تحسين الحوار التفاعلي من خلال روبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتقديم ردود قانونية معتدلة وإنشاء وحدة متابعة إلكترونية لرصد الأنشطة الفكرية المتطرفة عبر الإنترنت.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة تاريخية يمكن من خلالها تعزيز الاعتدال ونشر الفكر المعتدل، مشيرا إلى أن المؤسسات الدينية المعتدلة مثل الأزهر ودار الإفتاء المصرية لديها القدرة على قيادة هذا التحول الرقمي، وبناء استراتيجية الشراكات والاستثمار في البحث العلمي لضمان مستقبل رقمي يدعم القيم الإنسانية ويخلق السلام الفكري والاجتماعي.