مصطفى الفقي يكتب: المأزق السياسي في غرب آسيا
تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة خاصة على خريطة العلاقات الدولية وفي سياق الصراعات الإقليمية لأسباب مختلفة منذ أن بدأ مكتب الاستعمار البريطاني في وصف هذه المنطقة بأنها (الوسطى) بدلا من الوصف السابق (السفلي). الشرق الأوسط يقف على قدمين.
إحداها منطقة غرب آسيا، والتي تبدأ عند حدود باكستان وتنتهي عند ساحل البحر الأبيض المتوسط، والمرحلة الثانية تبدأ من المحيط الأطلسي إلى قناة السويس شرقاً. ولذلك فإن هذه المنطقة تتأثر سلباً وإيجاباً بمتغيرات تمتد على مساحة كبيرة من قلب العالم القديم. يضاف إلى ذلك أهمية ثقافية وروحية تتعلق… بالحضارات التي جاءت إلى المنطقة والثقافات التي تركت بصماتها على المنطقة، مما جعلها مركز الاهتمام ومركز الاهتمام، فهو مناسب وهنا نشير إلى أهمية الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، معتبرا أن جزءا كبيرا من أهميتها يعتمد بالتأكيد على التراث الثقافي والحضاري لمنطقة مر عبرها الفراعنة المصريون والآشوريون، وانتقل الفينيقيون وغيرهم، مما أدى إلى الإغريق والرومان ثم بناة الحضارة العربية الإسلامية، بالإضافة إلى الثقافات المحلية المحدودة التي كانت موجودة في زوايا المنطقة، تاركة أثراً اجتماعياً يغلب عليه، بدءاً من القبيلة و وانتهاء بمدينة داس فقد اتسم التفكير العمراني بخصائص جذابة جعلت منها منطقة رائعة من حيث البيئة والمناخ. وهي منطقة تجتذب الاعتدال والوسطية، لكن الاهتمام بها والأطماع التي لا نهاية لها فيها غيرت الصورة تماما، وحوّلت البلد الذي ورث الحضارات إلى مسرح للحروب والمواجهات. عسكرياً فهي دولة تمثل مرتعاً للأطماع في مواجهة الظاهرة الاستعمارية قديمها وحديثها، ونلفت إلى أن علاقات أوروبا مع الشرق… للبحر الأبيض المتوسط تأثير حاسم على طبيعة الحياة ونوعية الاتصالات بين دول البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ومنطقة البلقان والدول المجاورة. طبيعة الساحل والصحراء شكلت هذه المنطقة ونوعية الحياة في المنطقة من الكروم والعنب، مناخ معتدل نسبيا وآفاق واسعة ابتليت بالعديد من الحروب وأشكال العدوان وأنماط الغزو في العقود الأخيرة، المحور الذي تدور حوله العلاقات وتركز على جوانب الحياة في هذه المنطقة. الحياة من قلب العالم. ولعلي هنا، في استعراض موجز، سألخص مصادر المواجهة ودوافع العنف التي دفعت شرق البحر الأبيض المتوسط، بحيرة الحضارات القديمة الكبرى، إلى منافسة حضارات الشرق الأقصى في الصين، وأصبحت منطقة جنوب شرق آسيا إحدى بؤرها الظاهرة الاستعمارية الأوروبية والتصدير العنيف لكل جوانب المسألة اليهودية، حتى دفعت بها أوروبا. وبالانتقال إلى المنطقة، لدينا عدد من الملاحظات: أولاً: ولم تكن الحروب المسماة بالحروب الصليبية مجرد مواجهة دينية، بل كانت أيضًا بداية وصول الظاهرة الاستعمارية إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وقد حرص الآباء المؤسسون لهذا التيار العدواني على رفع الصليب شعارًا، بدعوى أنها في هذه الأرض المقدسة التي ولد فيها السيد المسيح ومشى على أرضه، بعد أن كلم موسى ربه على جبل سيناء، وانتهى الأمر بإسراء النبي محمد أنبياء الإسلام إلى بيت المقدس . إنها في رحلة روحية تعتمد بالدرجة الأولى على الإيمان، وهنا يتحول هذا المكان المقدس مرة أخرى إلى بؤرة صراع دموي وعدوان غاشم على دولة إسرائيل. على الشعب الفلسطيني الذي يستهدف نسائه وأطفاله لقطع الطريق أمام أجيال جديدة تطالب بالأرض وتتطلع إلى وطنها المسلوب. ثانياً، تدفقت القوى الاستعمارية القديمة والجديدة على الصراع العربي الإسرائيلي بعد الحرب العالمية الثانية، فغزت الوطن الفلسطيني والدول المجاورة لتجديد روح المأساة ونشر الخوف والاضطرابات في المنطقة. ثم بدأت الصحوة العربية في مواجهة التهديد الإسرائيلي، لكن بريطانيا سلمت مفاتيح فلسطين للعصابات. وترى الصهيونية أن هذا هو الوسيلة الأمثل لحماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة. ومع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، غيرت خصائص دولة إسرائيل ومظاهرها الصراع وأصبحت وقوداً لعدوانية. حركة الاستيطان الصهيونية العنصرية في هذا الجزء من العالم. ثالثاً: لقد أبدعت الروح اليهودية في استخدام مهاراتها واتصالاتها مع القوى الاستعمارية الغربية وخلق مصالح مشتركة معها. ومن يتابع تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، رغم مبالغاته واختلاف آرائه، يدرك أن إسرائيل قطعت شوطا طويلا لتحقيق الوصول المستقر إلى مراكز القرار السياسي والعسكري في العواصم ذات التاريخ. إن المستعمر البغيض الذي زحف من الشمال إلى الجنوب ويحاول الآن أن يغلق أبواب الهجرة القسرية من الجنوب إلى الشمال بمعايير وسياسة التسامح. المعايير المزدوجة التي ميز بها الغرب الاستعماري والجيوب التي أحدثها في أحشاء المنطقة برمتها. إذن نحن في النهاية أمام مواجهة حضارية تعتمد على اختلاف التراث الفكري للطرفين والتقدم التكنولوجي والقدرة على محاصرة الطرف الآخر وتجويع شعبه وتعذيب الناس وتدمير الناس بطريقة همجية. بالطريقة الاستعمارية، والأعمال العنصرية القائمة على خطاب الكراهية، ونفتخر بالدماء التي تسيل، ونفتخر بعدد القتلى، وأغلبهم من المدنيين. رابعاً: تعيش منطقة الشرق الأوسط حالياً وضعاً صعباً، إذ لن تجد الحروب التقليدية والمواجهات المحلية انفراجاً في المستقبل أو إيجاد مخرج من المأزق الذي تعيشه المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023، وهو المتوقع نتيجة للممارسات الإسرائيلية المستمرة في هدم المنازل والعدوان المتواصل على المدنيين بشكل غير مسبوق في التاريخ المعاصر. ستنتهي الحرب يوماً ما، وسيُرفع الغطاء عن شعور عميق بالعداء الخفي، توارثته الأجيال نتيجة الحرب على غزة والعدوان على لبنان، ومحاولة زرع الفتنة وتمزيق الروابط العربية. – الموقف الفلسطيني وإضعاف النهج العربي المشترك حتى يتم تمرير الطروحات المشبوهة والمبادرات الملتوية مثل صفقة القرن التي يدعو إليها ترامب ومساعدوه وأقاربه ومؤيدوه لقد حشدوا مؤامرة حقيقية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بطريقة غير عادلة ومنطقية. والانحياز على حساب حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. خامسا: إن المشهد الضبابي الذي يخيم على المنطقة يتطلب من العرب أن يكونوا يقظين للغاية وأن يكون لديهم اهتمام كبير بضمان مرور الفترة الصعبة دون أن يدفع العرب فاتورة جديدة بحجة تحقيق السلام، وبمعنى ما، رسم خريطة. خريطة جديدة للشرق الأوسط يحصل فيها الغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، على ضمانات أكبر لحماية مصالحه وإنشاء قاعدته الأساسية في الشرق، على حساب انتقال العرب من إسرائيل من الكارثة إلى النكسة ومن ثم إلى المؤامرة الكبرى، كنت شخصيا أتوهم أن ترامب سيكون الرجل القوي في البيت الأبيض الذي يستطيع تحقيق قدر من العدالة في الحل المحتمل، لكن المشهد يوحي بغير ذلك، ويوحي بأن خلف الستار يختبئ خطر وشيك. وصعوبات جديدة ستؤدي إلى تضييق الخناق على العرب والفلسطينيين في مواجهة الاختفاء التام للشرعية الدولية وعدم احترام واضح للقانون الدولي. أيها السادة، إننا في مرحلة خطيرة تمثل أصعب المراحل في تطور الصراع في الشرق الأوسط المستمر منذ ما يقرب من ثمانين عاما. نحن بلا شك نتطلع إلى السلام، ولكن هذا السلام هو الذي يحترم الثوابت ويمنح الشعب الفلسطيني حقه الطبيعي في دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهذه الأمور أصبحت قريبة. وفي بعض المراحل، تراجع الرأي العام الإسرائيلي أيضاً عما بدا له شبه مقبول… وهذا هو التهرب المعتاد والتلاعب المتعمد والخداع الذي لن يضع حدا لقوى الشر والعدوان التي أعداء السلام العادل منذ البداية.