ذكرى رحيل رضوى عاشور.. رحلة إبداعية تنتصر للإنسان وتقاوم النسيان
بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الكاتبة الكبيرة رضوى عاشور، التي رحلت عن عالمنا في 30 نوفمبر 2014، نستذكر إرثها الإبداعي الغني، ونسلط الضوء على أهم أعمالها التي خلدت اسمها في الأدب العربي.
في أحد أحياء القاهرة، ولدت رضوى عاشور في 25 مايو 1946 في عائلة مثقفة جمعت بين الأدب والفن. كان والدها مصطفى عاشور محاميًا وله شغف أدبي عميق، بينما كانت والدتها مي عزام شاعرة وفنانة تشكيلية. كانت مستوحاة من قوافي الشعر وألوان الحياة. ولم تكن رضوى ابنة هذه العائلة فحسب، بل وريثة لتراث ثقافي أعمق تنحدر منه أيضا من جدها عبد الوهاب عزام، الدبلوماسي وأستاذ الأدب الشرقي الذي حفر اسمه في تاريخ الثقافة العربية بجهوده الرائدة. ترجمة كتاب “شاه ناما” إلى اللغة العربية.
منذ طفولتها، كان شغفها بالقراءة بمثابة نافذة على العالم. وفي منزلها المطل على جسر عباس الذي شهد أحداثا دامية في تاريخ مصر، نشأت وهي تسمع قصص المعارك والمعارك. تقول رضوى عن نفسها: «أنا ابنة النيل والشوارع التي تحكي قصصًا مليئة بالغضب».
لم يكن طريق رضوى إلى الأدب مجرد حلم طفولتها، بل تبلورت رؤيتها مع كل كتاب قرأته. لحظات عابرة في مكتبات وسط القاهرة، حيث رأت شخصيات أدبية مثل سهير القلماوي وعباس العقاد، عمقت هذا الطموح في قلبها، والذي أصبح فيما بعد هوية حياتها.
“الأعمال الأدبية الخالدة: بين غرناطة والطنطورية”
عندما نتحدث عن إرث رضوى الأدبي، تأتي في المقدمة ثلاثية غرناطة. وفي صفحات هذه الرواية، تعمقت رضوى في التاريخ الأندلسي لإحياء مأساة سقوط غرناطة عام 1491. الثلاثية التي تضم «غرناطة» و«مريم» و«الرحيل» لم تكن مجرد رواية تاريخية، بل شهادة أدبية على معاناة الشعوب وأوطانها التي تنهب بعنف.
وفي الطنطورية، نقلتنا رضوى إلى فلسطين بصوت رقية، الطفلة الناجية من مجزرة الطنطورية. أعادت بروايتها تفسير النكبة الفلسطينية والتهجير القسري الذي أعقبها، بأسلوب يغلب عليه طابع فلسطيني بمصطلحاته ونبرته الحزينة.
“”خصائص حياتها.. بين المرض والنضال””
لم تكن رضوى كاتبة تحكي القصص فحسب، بل كانت أيضًا شاهدة على معاناة شعبها ومرآة لآلام الأمة العربية. وفي كتاب سيرتها الذاتية “أثقل من رضوى” تحدثت بصراحة عن حياتها الشخصية ومعركتها مع مرض السرطان. بين الأمل واليأس، بين حزنها على أوضاع بلدها وثباتها الشخصي، كان هذا الكتاب وثيقة إنسانية مزجت بين السياسة والمجتمع.
البدايات تقول الكثير
منذ أعمالها الأولى، مثل كتاب «الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا»، تألقت بأسلوبها السردي الشيق. هنا، تأخذنا رضوى في رحلة تأملية عبر تجربة الهجرة والدراسة في السبعينيات وهي تروي أيامها في جامعة ماساتشوستس، مستمدة من لقاءاتها مع نفسها وصراعاتها الداخلية.
قدمت في مجموعتها القصصية “رأيت النخيل” شخصيات نسائية تكافح من أجل تحقيق الذات. بأسلوب يجمع بين البساطة والعمق، يتم تصوير المرأة كرمز للقوة والتغيير.
ذكرى الفراق…ألم لا ينسى
في 30 نوفمبر 2014، رحلت رضوى عن عالمنا، لكن كلماتها ظلت محفورة في ذاكرة قرائها. وفي مشهد الوداع الأخير، ظهر زوجها مريد البرغوثي متكئاً على نعشها وكأنه يستمد القوة من رفيق عمره، فيما جلس ابنه تميم البرغوثي منحني الرأس.
عندما نقرأ كلماتها: “عندما يموت شخص نحبه، ندفنه بالنعمة ونمضي قدمًا”، ندرك أنها لم تكن تكتب عن الموت فحسب، بل عن استمرار الحياة رغم الخسارة. ولذلك كانت رضوى عاشور أكثر من مجرد كاتبة؛ لقد كانت أيقونة للنضال، وصوتاً للمهمشين، وأملاً للأجيال التي تسعى إلى العدالة والحرية.