شيخ الأزهر: ازدواجية المعايير تدعم العدوان على غزة وتعمّق الكراهية بين الشرق والغرب
واستقبل الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وتشارلز ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، في مقر إقامته بالعاصمة الأذربيجانية باكو؛ وأكد سماحته أن هذا اللقاء فرصة للاستماع إلى الهموم المتبادلة والآلام والمآسي الإنسانية التي تجاوزت كل حدود العقل والمنطق، وندعو الله أن يعجل بنهايتها.
وقال فضيلة الإمام الأكبر إن الأزهر الشريف خطى خطوات كبيرة في الانفتاح على الآخرين وإحلال السلام العالمي، وإن هذه الجهود أثمرت عدة مبادرات مهمة تهدف إلى وضع الأخوة والتفاهم كأولويات في العلاقات بين الشرق والغرب. الغرب، قبل العلاقات الاقتصادية المبنية على تأكيد المصالح والمكاسب المادية، والتي ربما تكون أبرزها. إن الجهود المبذولة لإنهاء الصراعات غير الأخلاقية واللاإنسانية لم تكن سهلة بالنسبة للأزهر والكنائس في الغرب. التوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية بين الأزهر والفاتيكان، والتي اكتسبت شهرتها وانتشرت حتى أعلنت الأمم المتحدة ذكرى توقيعها في 4 فبراير يوما عالميا للأخوة الإنسانية، مما يدل على أننا كنا نظن أن وكانت هذه الجهود مناسبة وكافية لوقف نشر الأكاذيب حول الإسلام في الغرب وفي أماكن أخرى. ادعاءات تتنكر في صورة حقائق عندما يريدون إضفاء طابع إنساني على الصراعات مع الآخرين وخلق مبررات لها.
وأعرب شيخ الأزهر عن أسفه لأن النتائج جاءت مخيبة للآمال للغاية ومخالفة تماما للتوقعات وأن “المعايير المزدوجة” لا تزال هي النهج الذي يتم به التعامل مع مشاكل الشرق، وكأن توازنات العالم الجديد وقوانينه تحكمه. إن العلاقات الدولية مصممة لدعم أولئك الذين لديهم قوة مفرطة في السلاح والاقتصاد، وإيذاء المضطهدين، وإبعاد أنفسهم تمامًا عن فلسفة الأديان وأخلاقها. ويؤكد أن ما نراه في غزة على مدى أكثر من 500 يوم ليس إلا خروجا عما أقرته الأديان والقيم والمواثيق الإنسانية والأخلاقية.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن الأمل معقود على مشاركة المنظمات الدولية الكبرى؛ ويلعب الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن والأمم المتحدة دوراً مهماً في هذا الصراع، لكن الواقع أظهر أنه في الوقت الذي تصدر فيه بيانات الإدانة، فإن هناك تناقضاً كبيراً بين البيانات والأفعال التي تتبعها تؤكد بعض الدول الأوروبية الانتهاكات التي يرتكبها المحتل في قطاع غزة، ولا تزال دول أخرى متورطة في تصدير الأسلحة للمحتل، وتقديم الدعم اللامحدود وغير المحدود لهذه الشركة والمشاركة في قتل الأبرياء في غزة، وغضوا الطرف عن شلالات الدماء التي سالت أمام أعينهم، مبينا أن هذا الموقف يعتبر تناقضا واضحا مع الموقف الأوروبي تجاه العدوان على غزة ويتناقض مع موقف الشعوب التي في أعظم ساحات العواصم الأوروبية وفي الجامعات الأمريكية، طالبت النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء، الذين تجاوز عددهم 40 ألف شهيد، بوقف القتل.
وقال شيخ الأزهر: “إن الله هو العدل، ومن إيماني بعدله -تعالى- أستطيع أن أقول إن من يسكت اليوم عن هذه الجرائم والمجازر سيشهد بعضًا منها غدًا أو بعد غد”. إن الفشل في دعم الفلسطينيين دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد حل. وأضاف “هذه الفوضى تسيطر على العالم ولا توجد قوة يمكنها أن تقف في وجه هذا المحتل وتمنعه من إراقة المزيد من الدماء البريئة”. وما تلا ذلك من ردة فعل، فضلا عن تصوير أحداث غزة على أنها حرب متكافئة بين جيشين، هو ظلم واضح للقضية وللشعب الفلسطيني، وأن ما يحدث في غزة هو هجوم من جيش مسلح بالقوات المسلحة. أقوى الأسلحة الثقيلة . وهذا محرم دولياً وأخلاقياً على شعب أعزل لا رزق له، والهدف من كل ذلك أصبح معلناً ولم يعد سراً، وهو قتل الأبرياء من أجل السيطرة. على الأرض.
وشدد شيخ الأزهر على أن الكثير من المسؤولين الغربيين لا يتصورون حقيقة ما يحدث في غزة وأن خطاباتهم تتسم بالتالي بما يسمونه “الموضوعية والحياد المجرد” وأنهم يطلقون مناشدات ويطلقون تصريحات حول هذا الأمر ذات طابع تعويضي في الغالب، لتجنب تفضيل طرف على آخر، وتدعو الجميع إلى التفكير فيما يقدمه الطلاب الفلسطينيون الهاربون من العدوان وعندما نتحدث إليهم نجد أن أغلبهم، إن لم يكن جميعهم، لا يعرفون شيئا عن أفراد أسرهم ولا نعرف من منهم اختفى ومن لم يبق على قيد الحياة، ويقول المسؤولون الغربيون إنهم يحاولون خلق خطاب جديد ينصف حجم الفوضى والتلاعب بالإنسانية والواقع المرير في غزة، و ويؤكد على ضرورة أن يعي الجميع أن هذا العدوان خلق جدارا سميكا من الكراهية السوداء بين الشرق وسيستغرق هدم الغرب عقودا واستبداله بعلاقات تقوم على مبادئ الاحترام والمساواة للجميع.
من جانبه، جدد السيد شارل ميشيل تقديره للجهود الكبيرة التي يبذلها شيخ الأزهر في نشر الأخوة والتسامح، مؤكدا أن شيخ الأزهر يمثل مرجعية دينية معتدلة حول العالم، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك وهو ينفي ذلك ويشير إلى أن العالم بحاجة ماسة لصوت الأزهر المعتدل والمؤثر في نشر التقارب والتعايش في التعامل مع الصراعات حول العالم وضرورة إجراء تقييمات ملموسة. تطوير وتسميتهم بأسمائهم. وكما يُسمى ما يحدث في أوكرانيا “جريمة حرب”، فإن ما يحدث في غزة يجب أن يُسمى أيضًا “جريمة حرب”.
وشدد السيد شارل ميشيل على أن وثيقة الأخوة الإنسانية هي رسالة أمل وإلهام للشعوب، رغم الظروف القاسية التي يمر بها العالم حاليا، وأشار إلى أنه حرص على تشجيع دعم الاتحاد الأوروبي للإعلان عن هذه الوثيقة. وشددت في مختلف المناسبات والمحافل الدولية على ضرورة الوحدة والتضامن لوقف التمييز والكراهية على أساس الدين مثل الإسلاموفوبيا، وأشارت إلى أن قرار بعض الدول الأوروبية تصدير أسلحتها إلى إسرائيل خاصة بها لكن القرار هو أن الاتحاد الأوروبي اتخذ قرارًا بالدعوة إلى فرض حظر على صادرات الأسلحة حتى يتوقفوا عن انتهاكاتهم للقانون الدولي.
وجدد السيد شارل ميشيل تقديره لدور الزعماء الدينيين في خلق فرص اللقاء والتعارف بين الثقافات المختلفة وفي التوسط من أجل إنهاء فوري للحروب والصراعات. وأشار إلى أنه يجب على أوروبا دعم الأزهر في تدريب الأئمة الأوروبيين، تماشيا مع منهجه الوسطي المعتدل الذي يتصدى للفكر المتطرف وينشر ثقافة القبول والتعايش مع التركيز على القيم المشتركة.