معهد الأورام..ألم باليل ومذلة بالنهار
يوميات عذاب.. أبطالها السرطان والفقر والعنف
أم طفل مريض تصرخ وتبكي: “يا رب إني تعبت، خذني ونجني مما أنا فيه”.
في الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، أطلق المصريون على مجرد ذكر «السرطان» وصف «المرض الوحشي». فازدادت، وانتشر اسمه بين الناس، حتى نشروا اسمه ظاهراً وليس باطناً، كما كان في الماضي.
أول ما يفكر فيه أي شخص يعاني من هذا المرض اللعين هو الذهاب إلى معهد الأورام بالقصر العيني للعلاج. وبما أن عدد المصابين بالمرض يفوق قدرة المعهد فإن من يعالج هناك يعتبر محظوظا من بقية المرضى.
عندما دخلت معهد أورام القصر العيني، أحد أقدم وأشهر معاهد الأورام في مصر وربما في الشرق الأوسط بأكمله، لأتابع حالة مرضى السرطان الذين يعالجون هناك، قوبلت بصرخة مختلطة مليئة بالحزن. قال صاحب البيت بمرارة في استقبالي: ارحمنا سنموت في العذاب، فتراجعوا من شدة مرضهم واكتفوا بالآهات المكتومة.
والغريب أن هذا الصراخ والأنين هو لحن اعتاد عليه الأطباء وجميع العاملين في المستشفى العام.
هنا فقط أدركت سر نشر آلاف نداءات استغاثة المرضى في المستشفيات العامة، موثقة بالصوت والصورة حجم الإهمال الذي طال النظام الصحي، دون أي تدخل من السلطات!
وقد وصل الوضع إلى حد أن المستشفيات العامة أصبحت ساحات قتال بين المرضى وأسرهم من جهة، وبين الموظفين والممرضين والأطباء في المستشفيات العامة من جهة أخرى. ومن أشهر تلك المشاجرات مؤخرًا، الشجار الذي وقع بين الفنان تامر ضياء وأحد حراس الأمن بالمعهد القومي للأورام بالتجمع الأول، وسقط فيه “ضيائي”: “سقط على الأرض ومات! “
ولم يكن للفنان الراحل “ضيائي” أي خلاف مع العاملين في معهد “قطر بايت” أو تشاجر على أي أمر دنيوي. فقط زوجته عانت من ألم شديد، فأخذها إلى معهد الأورام لدخولها العلاج وسرعان ما أراحها من الألم الذي كان يدمر جسدها. وكانت تلك النهاية!
ذهبت إلى المعهد القومي للأورام بالقصر العيني ودعوت الله أن يكون أفضل من غيره، خاصة أن أغلب مرضاه من «الفقراء».
وتمنيت أن يكون معهد الأورام بالقصر العيني أفضل من غيره، خاصة أنه تم إنفاق 2.5 مليار جنيه على تطوير هذا المعهد وجميع مستشفيات القصر العيني ليقدم للمواطن المصري أفضل وأسرع رعاية طبيعية. .
أتمنى أن يكون معهد أورام القصر العيني أكثر إنسانية، خاصة بعد قراءة العديد من تصريحات د. سمعت وقرأت محمد عبد المعطي سمرة عميد المعهد القومي للأورام أكد فيه مجددا أن المعهد القومي للأورام هو أول مركز أكاديمي متكامل لعلاج مرضى السرطان في الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وفي الصباح ذهبت إلى مستشفى القصر العيني فوجدت المرضى ممددين على الأرصفة أمام جميع أبواب معهد الأورام، بعضهم غير قادر على الحركة تماما، وآخرون ينامون على الأسفلت وفي يده “كانيولا”، من خلال الذي كان يتلقى جرعات من المحاليل والأدوية بعد أن أجبروه على مغادرة المعهد بسبب ضيق المكان، كما وجدت مرضى ينهك مرض خبيث أجسادهم وينتظرون رحمة أي مسؤول في المعهد للسماح لهم الدخول لتلقي ولو جرعة واحدة من العلاج.
سيد حامد – 52 سنة، مزارع من مدينة بنها، عاصمة محافظة القليوبية، أحد المرضى الذين ينامون في دار ضيافة معهد الأورام. وأكد أنه يأتي إلى المعهد بشكل منتظم لمقابلة طبيب أمراض الدم، لكن طاقم أمين المعهد يمنعه من الدخول، كما يرفضون الانتظار خارج باب المعهد ويصرخون عليه. فيقولون اذهب أراك على الرصيف وأجلس عليه قليلاً حتى تهدأ الدنيا قليلاً ونرى هل تتدخل أم لا.
ويواصل “سيد حامد” بكلمات حزينة ومهينة: “كل يوم بجي للمعهد وأطلب العلاج. أنتظر خارج المعهد من الثامنة صباحا حتى الثانية والنصف ظهرا في درجة حرارة تخفض درجة الحرارة “لا يمكن لأحد أن يتحمل الذل والإهانة من رجال الأمن، وأنا أتحمل كل هذا على أمل المسامحة”. كنت أرغب في دخول المعهد أو على الأقل مقابلة طبيب يعالجني، لكنني فشلت”.
تركت سيد حامد ونظرت إلى أسفل الرصيف. لم أجد سوى مرضى على الأرض، أجسادهم دمرتها الشمس من الداخل وجلدتهم محروقة من الخارج. ولهذا السبب بدأ بعضهم بالبحث عن ورقة ملاحظات أو قطعة من الورق المقوى لحماية أنفسهم من حرارة الشمس.
بعض أجساد المرضى لم تتحمل الألم، فأغمضوا أعينهم. ولا أعلم إن كانوا نائمين أم في غيبوبة بسبب مرضهم.
لاحظ أحد المرضى دهشتي وحيرتي من المنظر الذي رآه فقال: منذ ذلك الحين، كل يوم منذ الفجر، يتواجد الناس هنا لحجز الطوابق المبكرة والتمكن من دخول المعهد.
عذاب على عتبة الباب
تركت المرضى يعذبون على الرصيف، يلعقون ذلهم وألمهم ومرارتهم، وعندما توجهت إلى نوافذ مبنى معهد الأورام، لم أجد سوى معاملة غير إنسانية عند بوابات دخول المريض، وكان هناك واحد ملقى على الأرض امرأة في أوائل الخمسينيات من عمرها ظهرت على يدها اليمنى علامات السرطان. لم تستطع المرأة أن تتحرك وقالت: أنا أموت، ارحموني، لا أستطيع السماح لنفسي بالدخول، لكن لم يرد عليها أحد أو يحاول مساعدتها!
تقف بجانب هذه المرأة امرأة أخرى أتت من قريتها لتلقي العلاج من سرطان الثدي الذي عانت منه منذ سنوات. وكانت المرأة بصحبة طفلها الذي استندت عليه، وفي يدها مفرش بلاستيكي يحتوي على الفحوصات الطبية السابقة التي عرضتها على كل طبيب، لكن المرض والوقوف أرهقها، فوضعت المفرش البلاستيكي على نفسها تحت رأسها ثم انتشر على الأرض أمام باب مدخل المعهد، وكانت هي طفلتها الصغيرة، وبدأت تبكي بمرارة من عذاب الانتظار الذي لا ينتهي.
وعلى بعد خطوات قليلة من هذه المرأة كانت امرأة سبعينية تجلس على كرسي حديدي أحضرته من المنزل لتجلس أمام المعهد وتنتظر دورها لدخول المعهد!
والغريب في الأمر أن هذه المرأة لم تتحمل الجلوس على الكرسي لفترة طويلة بسبب الألم الشديد، فتركت الكرسي بسرعة وجلست على الأرض حتى أرهقها الجلوس على الأرض، فسألت هذا من حولها. لمساعدتها على النهوض من الأرض والجلوس على الكرسي!
سألت هذه السيدة عن موعد وصولها إلى معهد الأورام فقالت: “أقف هنا أمام معهد الأورام في الساعة السادسة والنصف صباحا، في انتظار دخول المعهد للعلاج”.
تركت المرضى ودخلت المعهد فوجدت مشهدا أكثر إيلاما، فيه فتاة لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، حافية القدمين ويمزقها المرض، مستلقية على الأرض في حالة إرهاق شديد، مع رحلة سألت أحدهم فسألها أحد من الواقفين عن حالها، فلما هاجمها الذباب قال: “إنها أمها التي جاءت إلى العهد ومعها الطفلة على كتفيها وحقيبة السفر على ظهرها”. كانت الأم تتصبب عرقاً والطفلة تبكي وحاولت تسليم أوراق طفلتها، لكنها كررت المحاولة عدة مرات وصرخت بصوت عالٍ: “يا رب، أنا تعبت، خذني وريحني طفلتها الصغيرة”. على الأرض وتركها وحقيبة السفر بجانبه. اختفت الأم بينما استمرت الطفلة في البكاء حتى أنهكها التعب ودخلت في نوم عميق.
وهنا غرف انتظار الامتحان
ووقف مئات المرضى في غرف الانتظار بمستشفى الأطفال، بعضهم ممدد على الأرض وسط حشد خانق، بينما جلست طفلة صغيرة مصابة بالسرطان وصرخت: «بابا، دعني آخذ بابا». أريد بابا”.. أين أنت يا أبي؟” وبسبب الزحام الكبير لم يهتم بها أحد وداس عليها بعض الناس!
وبعد فترة، أتى إليها والدها العاجز وجلس على ركبتيه بجانب ابنته، وتركها تريح رأسها على صدره لتشعر ببعض الأمان.
على أطراف عيادة الأشعة العلاجية، يتزاحم المرضى كالمجانين للقاء الطبيب المعالج، وأمام باب العيادة سلة قمامة مملوءة حتى أسنانها، يجلس بجانبها مريض بهذا المرض. وبينما تدور مشادات بين المرضى وتوافد المرضى، لا يتوقف موظفو المعهد ويتهمون بالتلاعب في ترتيب أسماء المرضى الذين ينتظرون فجر اليوم موعدًا مع الطبيب المعالج.
الإهمال الطبي الذي يشهده المعهد الوطني للأورام يوميا لا يكفي، ولهذا أصبح مرتعا للوسطاء ودفع إتاوات وإكراميات لأفراد الأمن الداخلي من أجل الموافقة على زيارة المرضى أو دخول المعهد لإجراء العملية فحوصات الأورام. أشعة.
وقال الحاج إبراهيم المغربي، أحد مشايخ محافظة المنوفية: “بعد تجديد المعهد القومي للأورام، اعتقدنا أن المعهد أصبح منشأة طبية تساعد في علاج المرضى بشكل حضاري وإنساني، ولكن عندما كنت عندما وصلت إلى هناك، عشت أسوأ أيام حياتي، حيث كنت أنتظر ساعات وأيامًا لرؤية الطبيب أو إجراء الأشعة السينية.
وأضاف: “نعاني من إهمال طبي كبير في معهد الأورام بالقصر العيني، على عكس ما يقال في المؤتمرات الرسمية. والواقع أسوأ بكثير مما يتم الترويج له من خلال الخدمات العلاجية التي نسعى إليها.
رسم بياني
• 135 ألف مريض سرطان جديد في مصر سنويا.
• يعالج معهد أورام القصر العيني حوالي ربع مرضى السرطان في مصر.
• يعود ارتفاع عدد حالات السرطان إلى النمو السكاني وانتشار أسباب الإصابة بالسرطان وأهمها انتشار التدخين بين الرجال والنساء.
• علاج السرطان في مصر يتم على نفقة الدولة والتأمين الصحي.
• يموت 10 ملايين شخص حول العالم بسبب السرطان كل عام.
2.26 مليون حالة إصابة بسرطان الثدي.
• 2.21 مليون حالة سرطان الرئة.
• 1.93 مليون حالة سرطان القولون.
• 1.41 مليون حالة إصابة بسرطان البروستاتا.
• 1.20 مليون حالة إصابة بسرطان الجلد “غير الميلانيني”.
• 1.09 مليون حالة سرطان المعدة.
• 1.80 مليون حالة وفاة بين مرضى سرطان الرئة.
• 900600 حالة وفاة لمرضى سرطان القولون.
• 830 ألف حالة وفاة لمرضى سرطان الكبد.
• 769.000 حالة وفاة لمرضى سرطان المعدة.
• 685.000 حالة وفاة لمرضى سرطان الثدي.
• 400 ألف طفل يصابون بالسرطان كل عام.
سرطان عنق الرحم هو السرطان الأكثر شيوعا في 23 دولة.