وُلد الهدى.. سيرة الرسول فى الأدب العربي
قصائد في مدح الرسول وقصائد المولديات
أشهر الكتب تناولت شخصية الرسول
المجتمع الوطني والمولد النبوي.. ثقافة خاصة لدى المصريين
ولدت القيادة وأشرقت الكائنات كلها/ وفم الزمان يبتسم ويحمد/ تحيط به الروح والملائكة/ للدين والدنيا بشرى عنه.
فهو خير الدنيا ومنقذها من ظلمات الجهل والضياع، وشفيع الناس ومنقذها من جحيم القدر…
سيد ولد آدم رحمة رب العالمين محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ولبنة بناء الله في أرضه.
ولأنه بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء هو أعظم ما عانت منه البشرية في التاريخ؛ ولذلك فإن الأدب العربي بشكل عام يزخر بسيرة النبي محمد وشخصيته، ومدحه ووصفه والاحتفاء به نثراً وشعراً. وقد كتب عنه أشهر المفكرين والشعراء منذ ظهوره في الدنيا ساعة القيامة.
وفي كتابه “المدائح النبوية في الأدب العربي” يقول د. زكي مبارك أن “المدح النبوي فن” من فنون الشعر التي أشاعها الصوفية. وهو شكل من أشكال التعبير عن المشاعر الدينية وفصل من الأدب الرفيع. لأنه لا يأتي إلا من قلوب مملوءة بالصدق والإخلاص». لذلك، فهو لا يشبه المديح العادي الذي غالباً ما يرتبط بمدح السلاطين والأمراء. وهو مدح انفرد به النبي صلى الله عليه وسلم، ومبني في المقام الأول على المحبة المختارة والانخراط فيها.
* ظهور شعر المديح النبوي
القصائد في مدح النبي لم تظهر في زمن الرسالة النبيلة، بل قبل ولادة الرسول وأثناء طفولته. ونرى أن جده عبد المطلب وعمه أبو طالب كتبا قصائد مشهورة في مدح الرسول. إلا أن المدح النبوي لم يكتسب طابعه المعروف اليوم إلا في أواخر فترة النبوة، مع ظهور شعراء الفتاح، الذين كانوا من الصحابة وعلى رأسهم ابن عم الرسول الإمام علي بن أبي طالب، وحسان بن ثابت، وكعب عم. زهير وعبد الله بن رواحة. ثم سرعان ما ذاع صيت هذا النوع من الشعر من خلال شعراء المدح النبوي المتأخرين وهم البوصيري وابن الفريد والشريف الرضا وعبد الله الحموي وابن نباتة المصري وأحمد شوقي.
*ظهرت سعاد
أشهر قصيدة مدح كتبت في التاريخ الإسلامي وقيلت حتى في زمن النبوة وألقيت لسماع النبي وإعجابه هي قصيدة “بنت سعاد” للصحابي الجليل والشاعر كعب بن زهير وهو ابن زهير بن أبي سلمى صاحب المعلقة الشهيرة.
ألقيت القصيدة على النبي سنة 8 م، وسميت بالبردة لأن النبي أعجب بها، فخلع بردةه وأعطاها لكعب بن زهير مكافأة على هذه القصيدة. أما قبل ذلك فلم تكن القصيدة من تأليف قط إلا لتجنب الموت، إذ ذهب كعب وأخيه بجير إلى رسول الله حتى وصلا إلى مكان بين البصرة والمدينة. فقال كعب لبجير: الحق الرجل (يعني رسول الله) وأنا هاهنا، فانظر ماذا يقول لك. ثم جاء باجر إلى رسول الله فسمع به وأسلم إلى الإسلام. فبلغ ذلك كعبا فقال:
من جاءه برسالة من فاضل هل يحق له أن يفعل ما قاله مع الخوف؟
شربت كوب المأمون على مهل، فشرب المأمون منه ومضغه.
وخالفت سبيل الهدى واتبعته لسبب ما، ولكن أرشدك غيرك.
شخصية لم تجد لها أمًا ولا أبًا، ولا وجدت لك أخًا.
إذا لم تفعل ذلك، فلن أندم، ولن أقول: “لماذا تعثرت؟”
فبعث به إلى بجير، فلم يرد أن يكتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث به إليه. فقال بجير لكعب:
ومن وصل إلى كعب فهل يحق لك أن تلوم ما تتهم به زوراً ولو كان أهم؟
لله – وليس العزى ولا اللات – وحده، إن كان هناك خلاص قد تنجوا، وتكونوا آمنين.
سيأتي يوم لا ينجو فيه أحد، ولا ينجو من الناس إلا ذوو القلوب النقية والمسلمة.
دين زهير لا شيء، ودينه دين أبي سلمى علي محرم.
فلما وصل إلى كعب الكتاب ضاقت عليه الأرض، وأشفق على نفسه، وارتعد منه عدوه الذي معه، وقالوا: يقتل. فلم يجد شيئا مناسبا، أنشد قصيدته في مدح الرسول، ثم خرج حتى قدم المدينة، حيث نزل إلى رجل من جهينة فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي معه صلاة الصبح، ثم أشار إلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائته تعوذ منه»، فقام فجلس إلى جانبه ووضع يده في يده. فلم يعرفه رسول الله فقال: يا رسول الله، جاء كعب بن زهير يعوذ بك مسلما تائبا. فهل تقبله إذا جئتك به؟» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، قال: أنا يا رسول الله أنا كعب بن زهير، ثم أنشد القصيدة أولها. والذي يبدأ بـ :
اختفت سعاد واليوم قلبي منتفخ ومغرم ولا بعدها جزاء أنا مقيد.
ويقول بعد أبيات قليلة:
الرسول نور يستنير وسيف الله حاد يسلّل.
فقال قائل في جماعة من قريش: «لقد اختفوا بقلب مكة حين أسلموا».
لقد رحلوا، لكن لا تزال هناك ارتدادات، ولا انكشاف في الاجتماع، ولا ميل إلى التراجع.
ورائحة الرجال العراة، ثيابهم منسوجة من قماش داود في الحجة.
لا يفرحون إذا وصلت رماحهم إلى قوم، ولا يضربون إذا وصلت إليهم.
إنهم يسيرون في ممر الجمال المزهرة ويكونون محميين من التعرض للضرب عندما يشتمون رائحة التوابل السوداء.
إنما اللدغة في حناجرهم وما لهم من وراء أعماق الموت
* المولودية :
واتسعت دائرة الأدب، وبدأ أرباب القلم من الشعراء والأدباء في كتابة قصائد ذات طابع ديني، وأهمها “المولديات”: قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. والسلام عليه، ونذكر منها:
* “الدر المناظم في المولد النبوي المزم” للعزافي: كتاب مخطوط في قسم المخطوطات تحت الرقم: 8748/الرباط.
*المولد النبوي” تأليف أبو عمران موسى بن أبي علي الزناتي الزموري.
* “”الدعوات النبوية”” لمالك بن المرهيل، قصيدة جمعها المقري في كتابه “”نفح الطيب””: 4/450-453.
* “القطع الخمس في مدح الخف المقدس” لمحمد بن الفرج السبتي المتوفى سنة 757 م، الموافق 1162 م، وهو عبارة عن مجموعة أبيات طويلة فيها خمس أبيات عن الحروف من المعجم المذكور للمقري في كتابه: “أزهر الرياض”: 3/228-237.
وظلت “المولديات” أو “العيديات” فناً شعبياً ومرعىً خصباً لأغلب الشعراء، ومن أهم القصائد التي نالت اهتماماً واسعاً من بعض العلماء، خاصة المغاربة، كانت قصيدة “البردة” للبصيري. يتكون مع شرحه وملحقه من مائة واثنين وثمانين سطراً، وهو بالتالي من القصائد. الطول والبداية هما:
صدق ذكرى الجيران ببذور السلام/مزاجت دموعاً سالت من الجفن دماً/أم هبت الريح من جنب كاظمة/ومض البرق في ظلمة آدم/ما بال عينيك حين تقول: “انتظر؟”/ وما بال قلبك عندما تقول: “استيقظ؟” هل يهم/هل يظن المطر أن الحب مخفي/ ما بينهما يتناغم ويسخن منه.
وبهذا الأسلوب كتب أحمد شوقي قصيدته الأشهر “نهج البردة” التي استخدم فيها نفس قافية البوصيري وبدأ بقوله:
ريم على الأرض بين اللبن والعلم / يجوز سفك دمي في الأشهر الحرم
* شخصية الرسول في النثر العربي
كما تظهر شخصية النبي في النثر العربي الحديث بشكل واضح في العديد من الأعمال الأدبية، مثل: “عبقرية محمد” للعقاد، “في دار الوحي”، “حياة محمد” لمحمد حسين هيكل و”محمد” لتوفيق الحكيم، و”محمد” لمصطفى محمود وكذلك “كما ركز المسرح على السيرة النبوية وشخصيته في عدة مسرحيات منها: “”المولد النبوي”” لمحمد محمود زيتون و”” “الطائف” لمحمد عبد الغني حسن وآخرون.
* المولد النبوي عند جماعة الناس
إن المولد النبوي حدث عظيم في عقيدة المجتمع الوطني، ولهذا يحتفلون به ويفرحون بقدومه بركة وخيراً، لتكون هناك ذكريات وتسبيح. ويمكن ملاحظة مجموعة من العناصر التراثية والأقوال الشعبية المرتبطة بهذه الذكرى العطرة، حيث تتجلى مظاهرها الشعبية في الأدب الشعبي: حيث تتنوع التأبينات التي تشير إلى ولادته والمعجزات المرتبطة به باختلاف أشكالها بما في ذلك الموال. المكان والأغنية يتنقلون أيضًا بين الأداء العامي والبليغ، والغناء الديني، والأذكار الصوفية.
ومن الأمثلة على إبداع المجموعة أغنية عيد ميلاده التي تقول:
أمينة ولدته أمينة في ظل شجرة تين. وسمته النبي محمد أبو عيون كحيلة، فولدته آمنة أمينة فجرا. وكانت تلقبه بالنبي محمد أبو عيون عسلية.
ومن الشائع أيضًا سماع قصص شعبية عن المعجزات النبوية، خاصة في بعض الاحتفالات التي يقيمها البعض بجوار مراقد الأولياء أو في الساحات احتفالاً بالمولد النبوي، أو كنوع من النذر الذي يقام سنويًا كما يحب الناس أيضًا طلاء الجدران قبل أداء العمرة في المولد النبوي، وهناك بعض الحرف والمهن التي تعبر عن فرحة المصريين، مثل صناعة الحلويات، كما تأتي مع مجموعة من العادات والتقاليد الشعبية، ويمثل الاحتفال بالمولد النبوي ثقافة خاصة للمصريين، على عكس أي احتفال آخر في أي دولة عربية أخرى.
وهكذا يظل شهر ربيع الأول من كل عام يحمل بشرى للعالم ونوراً يشع نوره في النفوس…
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).